حسابات ضاغطة.. اختلاف الموقف الأوروبى إزاء التصعيد الإسرائيلى - الإيرانى عن حرب غزة - قضايا عالمية - بوابة الشروق
الإثنين 30 يونيو 2025 4:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

حسابات ضاغطة.. اختلاف الموقف الأوروبى إزاء التصعيد الإسرائيلى - الإيرانى عن حرب غزة

نشر فى : الأحد 29 يونيو 2025 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 29 يونيو 2025 - 10:00 م

كشف الموقف الأوروبى وتحديدًا المجموعة الأوروبية المُكونة من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا التى يُطلق عليها «الترويكا الأوروبية» من التصعيد الإسرائيلى - الإيرانى «غير المسبوق» عن توجه متعدد الأبعاد يحمل فى طياته نوعًا من ادّعاء التوازن فى العلاقات مع إسرائيل عبر الفصل ما بين ملف غزة وملف إيران، بالتوازى مع تحميل طهران مسئولية استهدافها من قبل إسرائيل على خلفية برنامجها النووى الذى يُشكّل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وأمن أوروبا، وذلك فى ضوء تعاطيهم مع السياسة الإيرانية وتحركاتها فى منطقة الشرق الأوسط باعتبارها مُزعزعة للاستقرار والأمن الإقليمى.
ومع بدء التصعيد المتبادل بين تل أبيب وطهران، أعلنت القوى الثلاث عن استعدادها لإجراء محادثات على الفور مع إيران بشأن برنامجها النووى للحيلولة دون اتساع نطاق التصعيد وجر المنطقة إلى حرب إقليمية مفتوحة خاصة مع التطورات الميدانية السريعة المتبادلة بين الجانبين. كما أوضحت كلٌ من المملكة المتحدة وفرنسا عن عدم دعمهم لإسرائيل خلال هجومها على إيران، ففى حين قال الرئيس الفرنسى إن بلاده ستشارك فى عمليات الحماية والدفاع عن إسرائيل فى حال تعرضها لهجمات إيرانية، نفى فى الوقت نفسه، وجود أى مشاركة فرنسية، وبأى شكل، فى عمليات هجومية تقوم بها إسرائيل ضد إيران. أشار وزير الخارجية البريطانى بأن المملكة المتحدة «لم تكن متورطة» فى التصعيد، مؤكدًا على أن إسرائيل اتخذت «إجراءً أحادى الجانب». الأمر الذى يُوحى بتحوّل نسبى فى العلاقات الأوروبية - الإسرائيلية - بشكل أو بآخر - مُقارنة بالجولة الأولى للتصعيد الإسرائيلى - الإيرانى فى عام 2024؛ حيث كانت باريس ولندن من ضمن الدول التى شاركت فى صدّ الهجمات الإيرانية على إسرائيل.
• • •
يمكن فهم الموقف الأوروبى فى إطار مجموعة من المحددات التى باتت تؤطر نمط التفاعل الأوروبى مع التصعيد الحالى فى الشرق الأوسطـ، والذى يأتى فى سياق جملة من التحولات التى تشهدها أوروبا على خلفية استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية لأكثر من ثلاث سنوات بدون حسم، نتيجة للعديد من العوامل؛ منها تذبذب الدعم العسكرى الأمريكى وتجاهل إدارة ترامب للدور الأوروبى وتهميش مصالحهم وأمنهم فى الحسابات الأمريكية، ومواصلة سياسة الضغط الأقصى عليهم لزيادة مخصصاتهم الدفاعية، وتحمل أعباء ضمان أمنهم بموجب تسويتها للحرب مع روسيا. وعليه، ترجع الحسابات الأوروبية مع التصعيد الإسرائيلى - الإيرانى إلى عدّة اعتبارات تتمثل أبرز مظاهرها كالآتى:
أولًا: تجنب اتساع نطاق التصعيد:
بالرغم من «التزام القوى الأوروبية بأمن إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها» فإنها تخشى من تبعات استمرار التصعيد الراهن بعد تغيَّر قواعد الاشتباك فى المنطقة بداية من عام 2024 على خلفية تحول عمليات الاستهداف بين إسرائيل وإيران من نطاق المنطقة الرمادية عبر الوكلاء وجبهات الإسناد إلى المواجهة العسكرية المباشرة، والتى قد يصعب حسمها فى ضوء إصرار إسرائيل على إظهار القوة ضد إيران، ورغبة طهران فى استعادة القدرة على المبادرة بالهجوم المضاد فى إطار الرد المتبادل وهو ما يمثل تهديدًا للأمن والسلام الإقليميين، ويعرقل أى مسار محتمل للمفاوضات النووية الأوروبية أو الأمريكية، وقد يدفع المنطقة للدخول فى حرب مفتوحة متعددة الجبهات؛ الأمر الذى ستكون له تداعيات خطيرة على المصالح الأوروبية فى المنطقة وشركائها الإقليميين، بل قد تمتد تبعاته - أيضًا - لتورطهم فى الصراع بجانب إسرائيل فى حالة إذا طلبت منهم التدخل.
ثانيا: توتر العلاقات الإسرائيلية -الأوروبية:
يتزامن هذا التصعيد مع التحديات المتتالية التى تواجهها القوى الأوروبية فى علاقاتها بإسرائيل، وتحديدًا منذ استئنافها لعملياتها العسكرية الموسعة على قطاع غزة والضفة الغربية، بجانب مواصلة هجومها على لبنان وسوريا؛ مما دفع الدول الأوروبية لاتخاذ مواقف حازمة إزاء إسرائيل تجلت أبرزها في: دعوة الخارجية السويدية فى الثانى عشر من يونيو 2025 لفرض عقوبات على المسئولين الإسرائيليين المتهمين بالتحريض على العنف ورفض مسار حل الدولتين، على غرار التوجه البريطانى؛ حيث قامت المملكة المتحدة بفرض عقوبات على وزير المالية «بتسلئيل سموتريتش» ووزير الأمن القومى الإسرائيلى «إيتمار بن غفير».
كما أدانت فرنسا الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة فى القطاع على خلفية الحصار المفروض عليه ومنع تل أبيب وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ إذ حذر الرئيس «إيمانويل ماكرون» من احتمالية فرض عقوبات عن المستوطنين الإسرائيليين، موضحًا أن فرنسا لا تزال ملتزمة بالحل السياسى ودعم حل الدولتين، وذلك خلال زيارته لسنغافورة فى مايو الماضى. فضلًا عن تحرك «ماكرون» باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين كنوع من أنواع الضغط السياسى على إسرائيل، والدعوة إلى وقف تصدير السلاح المستخدم فى الصراع العسكرى بالمنطقة.
ثالثا: تقليل الإضرار بالمصالح الأوروبية:
رغم محاولة المجموعة الأوروبية التأكيد على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، يوجد لديها إدراك واضح من التبعات المحتملة للتصعيد على كافة المستويات، ولا سيما الأمنى والاقتصادى وتحديدًا ارتداداته على أسواق الطاقة العالمية، وحركة التجارة الدولية والتى لا تزال متأثرة بالحرب على غزة؛ الأمر الذى ستنعكس تبعاته على الداخل الأوروبى، وأيضًا سيفرض عليهم القيام بدور فاعل فى المنطقة لتأمين حركة التجارة يتجاوز عملية «أسبيدس» التى أطلقها الاتحاد الأوروبى، وتحالف «حارس الازدهار» بقيادة واشنطن، من حيث حجم ونطاق المهام والقدرات المشاركة.
فقد دعا الرئيس «ماكرون» إلى العودة إلى الدبلوماسية وإنهاء ما وصفه بـ «دوامة الفوضى» عقب هجوم إيران على قاعدة الأمريكية بقطر، محذرًا من تنامى تداعيات التصعيد على الاقتصاد العالمى لا سيما فى حالة إذا اتجهت طهران إلى إغلاق مضيق هرمز، الذى يعتبر من أهم الممرات الدولية لتجارة الطاقة.
ويرجع ذلك لأن الوضع قد تكون له مآلات إيجابية للكرملين كونه قد يؤدى إلى زيادة عائداته من تجارة النفط والغاز - بالرغم من العقوبات الغربية - والتى تُشكّل حوالى 30% من إجمالى إيراداته فى عام 2024؛ مما سيعزز قدرته على مواصلة التقدم البطىء - نسبيًا - على الجبهة الأوكرانية تمهيدًا لإقامة منطقة عازلة، وفقًا لمخططاته ولإحكام سيطرته على إقليم «دونباس»، والتوسع باتجاه الشمال الشرقى، والجنوبى الشرق بما يخلق لموسكو مزيدًا من الخيارات السياسية فى أى مسار تفاوضى، ويقوى موقفها فى فرض سياسة الأمر الواقع على أوكرانيا بناءً على الوضع الميدانى، مستغلة الانشغال الأمريكى والأوروبى بالأوضاع فى الشرق الأوسط.
يُضاف إلى ذلك، أن التصعيد الراهن يمنح روسيا فرصة مُوازية لإعادة تعزيز علاقاتها بالإدارة الأمريكية من خلال تقديم نفسها كوسيط قادر على التعامل مع إيران لاحتواء التصعيد، وخاصة بعد طرحها إمكانية نقل اليورانيوم الذى تتخطى نسبة تخصيبه العتبة المتفق عليه فى الاتفاق النووى لعام 2015، وتحويله إلى وقود لتقليل مساحة التجاذبات بين طهران وواشنطن، وهو ما سيمثل مكسبًا جديدًا لروسيا ذا انعكاسات على تسوية الحرب فى أوكرانيا لصالحها. مما يعنى أنه حال تمكنت روسيا من التفاهم مع ترامب بشأن التصعيد الراهن، فسيمثل تحديًا آخر للعلاقات عبر الأطلسى وللدور الأوروبى فى أى مسار تفاوضى بشأن البرنامج النووى الإيرانى.
وعليه، ستكون الدول الأوروبية أمام عديد من العثرات على جبهات متعددة فى آن واحد، فى إطار ما تمر به من أزمات مرتبطة بتخليها عن إمدادات الطاقة الروسية، منها ارتفاع تكاليف المعيشة، التى وظفها اليمين المتطرف بجانب ملف الهجرة لزيادة قاعدته الانتخابية، والتشكيك فى السياسات الأوروبية، وهو ما برهنت عليه نتائج الانتخابات الفيدرالية فى ألمانيا والانتخابات البرلمانية فى فرنسا، وسبقها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبية. الأمر الذى قد يحمل انعكاسات على التحركات الخارجية سواء على مستوى الدول أو على مستوى المؤسسية الأوروبية.
• • •
ختامًا، يُثير هذا المشهد الإقليمى شديد التعقيد - رغم محاولة التهدئة الهشة - قلق القوى الأوروبية وخاصة إذا بات مبدأ اللجوء إلى القوة العسكرية مرسخًا لدى إسرائيل - بدعم من واشنطن - كركيزة أساسية لدفع طهران نحو طاولة التفاوض، دون النظر إلى العواقب الوخيمة لهذا التصور، خاصة أن بدء الحرب قد يتخذ بقرار ولكن نهايته من الصعب تحديدها، لارتباطه بعوامل تتعلق برؤية الأطراف المتحاربة لمصالحهم الوطنية، وكيفية تحقيقها بأى تكلفة.
وهنا يمكن توضيح أن التفاوض مع طهران بعد هذا التصعيد سيستوجب من الأوروبيين مُقاربة جديدة قد لا تقتصر على البرنامج النووى الإيرانى، بل قد تتوسع لتشمل مستقبل نظامها السياسى ووكلائها فى المنطقة، وهو ما قد يضع الأوروبيين خارج دائرة هذه التفاهمات على خلفية توتر علاقاتهم بإسرائيل والولايات المتحدة، وانحسار تأثيرهم فى إيران مقابل تنامى التأثير الروسى وقدرة موسكو على التفاهم مع واشنطن.

آية عبد العزيز
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلى:

قضايا عالمية قضايا عالمية
التعليقات