نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة رغدة البهى بتاريخ 3 أغسطس تناولت فيه التجهيزات الإسرائيلية لإنشاء القبة السيبرانية ودور تلك القبة فى تعزيز أمن إسرائيل.. نعرض من المقال ما يلى.
تزداد الهجمات السيبرانية التى تستهدف إسرائيل ضراوة؛ لتشمل البيانات والمنشآت العسكرية، بالإضافة إلى البنية التحتية الحرجة والخدمات المدنية. كما تواجه إسرائيل عددا واسعا من الخصوم فى المجال السيبرانى، سواء كانوا دولا أو فاعلين من غير الدول. ومن ثم لم يعد الاستثمار فى تدابير الدفاع السيبرانى لحماية الأمن القومى الإسرائيلى وما يتصل بمقدرات إسرائيل التكنولوجية (من: خطوط الاتصال، وشبكات، وبنية تحتية مدنية، وأنظمة عسكرية... إلخ) ترفا أو رفاهية. ومن هنا، تتجلى أهمية «القبة السيبرانية «(CyberــDome) الإسرائيلية التى لا تقل فى أهميتها عن الدور الذى تلعبه شركات الاتصالات الإسرائيلية كونها أحد خطوط الدفاع السيبرانى بسبب امتلاكها لقواعد بيانات خاصة بعدد كبير من المستخدمين من ناحية، واضطلاعها بمسئولية تأمين جميع اتصالات الأفراد مع الحفاظ على سريتهم وخصوصياتهم من ناحية ثانية.
الماهية والسمات
يتمثل الهدف من تلك «القبة» فى رصد الهجمات السيبرانية المحتملة والدفاع عن الدولة الإسرائيلية وحماية مرافقها الحيوية، ولا سيما تلك التى تُدار إلكترونيا من خلال نموذج مطور يتحول عن المهاجم صوب الجبهة الداخلية المدنية، بهدف تعزيز الحماية اللازمة لمختلف المرافق الإسرائيلية عبر آليات استباقية تُقلل من حدة ووتيرة الهجمات السيبرانية، وذلك على شاكلة نظام الدفاع الجوى الإسرائيلى المعروف باسم «القبة الحديدية».
وعليه، يمكن القول إن تلك «القبة السيبرانية» هى عبارة عن: نهج استباقى جديد موسع للتنبؤ وصد الهجمات السيبرانية على مستوى الدولة بأكملها دون أن يقتصر على قطاع أو مجال بعينه أو البنى التحتية الحساسة والمهمة فحسب، كما أنها نهج تشاركى يستلزم تضافر جهود مختلف الدول وشركات الدفاع السيبرانى والأوساط الأكاديمية والحكومة الإسرائيلية والهيئات الأمنية لتعزيز القدرات السيبرانية الإسرائيلية باستخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعى بهدف الارتقاء بمستوى الأمن السيبرانى فى البلاد من خلال تنفيذ آليات جديدة تقلل الضرر الناجم عن الهجمات السيبرانية على نطاق واسع.
إذ من المفترض أن تتصدى «القبة السيبرانية» لمختلف الهجمات على الشبكات الإسرائيلية، بما فى ذلك الأنظمة التى يديرها الأفراد أو الحكومة أو الجيش أو القطاع الخاص أو غير ذلك. ومن المفترض أيضا أن تعمل على: تحديد التهديدات، وحماية الأنظمة من مختلف المخاطر السيبرانية، والحد من خطورة التهديدات السيبرانية داخل مختلف الشبكات، وشن هجمات انتقامية مضادة ضد المهاجمين والقراصنة من قبل القيادة الإلكترونية لجيش الدفاع الإسرائيلى. وهو ما يعنى أن «القبة السيبرانية» لن تبادر هى بشن هجمات سيبرانية استباقية على أهدافها، بل ستزود جيش الدفاع الإسرائيلى بمعلومات دقيقة حول طبيعة المهاجم ومكان تواجده إما لإحباط هجومه بشكل استباقى إن أمكن، وإما لتوجيه هجمات سيبرانية انتقامية ضد المتسللين الذين حاولوا اختراق الشبكات الإسرائيلية.
ومن شأن «القبة السيبرانية» ــ بالمعنى السابق ــ أن تُعزز التعاون بين الحكومة الإسرائيلية وجيش الدفاع الإسرائيلى من ناحية، وشركات الإنترنت ومختلف الشركات التكنولوجية ليس فقط فى الداخل الإسرائيلى بل فى الخارج أيضا من ناحية ثانية.
• • •
وفى هذا الإطار، أطلقت الحكومة الإسرائيلية مبادرة جديدة تطبق بموجبها وزارة الاتصالات والهيئة الوطنية الإسرائيلية للأمن الإلكترونى لوائح جديدة من أجل العمل بمعايير إلزامية وموحدة يتعين بموجبها أن تضع الشركات خططا لحماية شبكات الاتصالات باستخدام مزيج من آليات المراقبة والتحكم للحماية من الهجمات السيبرانية مع الحفاظ على خصوصية مختلف القطاعات والجهات. وبموجب تلك التعليمات الحكومية، ستكون شركات الاتصالات الإسرائيلية الكبرى مطالبة بتنفيذ خطط مفصلة لتحديد ومنع الهجمات السيبرانية المستقبلية التى تستهدف شبكاتها، كما سيُطلب منها تطوير آليات مراقبة لتقديم صورة فعلية عن جهود الأمن السيبرانى المتخذة مع ضمان الخصوصية وسلامة البيانات التى تم جمعها، بجانب شراء أحدث القدرات التكنولوجية لتحديد الهجمات السيبرانية المحتملة واحتوائها والتعافى منها.
الدوافع الإسرائيلية
يمكن إجمال الدوافع والأسباب التى تدفع إسرائيل لتطوير «القبة السيبرانية» فى النقاط التالية:
1ــ تكرار الهجمات السيبرانية: تعرضت إسرائيل لعدد كبير من الهجمات السيبرانية فى الأعوام القليلة الماضية؛ وقد شهد العام الجارى فحسب تعطل جميع مواقع الوزارات الحكومية الإسرائيلية فى 14 مارس 2022، بما فى ذلك الموقع الإلكترونى لكل من: وزارة الداخلية، والصحة، والقضاء، والرفاه، ومكتب رئيس الوزراء. كما تعرض عدد من المواقع الحكومية الإسرائيلية لهجمات سيبرانية من قبل قراصنة استهدفوا مواقع حكومية وإعلامية وخوادم إسرائيلية، ونشروا رسالة حذروا فيها من الحرب الإلكترونية الإيرانية ضد تل أبيب فى 20 إبريل 2022، وقد سبق ذلك بيوم واحد تعطل موقع القناتين التاسعة و«كان 11» فى التلفزيون الإسرائيلى، بالإضافة إلى موقع هيئة المطارات الإسرائيلية.
2ــ تعزيز تدابير الدفاع السيبرانى: سبق أن قال «هندل» فى مؤتمر صحفى: «نحاول فرض المعيار الصحيح على شركات الاتصالات من أجل حماية إسرائيل». فتبعا للبيانات الرسمية الإسرائيلية، تصدت إسرائيل لنحو 1500 هجوم مختلف على جبهتها الداخلية. ووفقا لشركة «تشيك بوينت» الرائدة فى مجال الأمن السيبرانى، فإن هناك قفزة سنوية نسبتها 137% فى متوسط الهجمات الأسبوعية على الشركات الإسرائيلية، وقد وصل عدد هذه الهجمات إلى 1500 هجوم أسبوعيا فى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 فحسب. كما أكد «بورتنوى» أن البلاد شهدت زيادة حادة فى الهجمات التى تحاول إسقاط المواقع الإلكترونية، واتهم الإيرانيين بشن كثير منها.
3ــ مجابهة إيران: يرى «بورتنوى» أن إيران قد أصبحت لاعبا رئيسا فى الفضاء السيبرانى جنبا إلى جنب مع حماس وحزب الله؛ وقد قال نصًا: «نراهم، ونعرف كيف يعملون، ونحن نتواجد هناك». وما يدلل على ذلك التحذير السنوى الذى صدر فى مايو 2022 من الهجمات السيبرانية المحتملة بمناسبة يوم القدس فى إيران ونهاية شهر رمضان المبارك؛ فقد طالت بعض الهجمات السيبرانية الإيرانية السالفة محطات وقود ووسائل إعلام إسرائيلية. كما سبق أن كشفت صحيفة «معاريف» العبرية عن تهديدات أطلقها مجموعة من القراصنة الإيرانيين ضد شخصيات عسكرية إسرائيلية، وقد تبنت ذات المجموعة الهجوم على أنظمة الإنذار فى مدينتى القدس وإيلات وسط مخاوف من تضرر البنية التحتية الإسرائيلية. وفى سياق متصل، قال «بيبنيت» فى «الأسبوع السيبرانى» إنه «عندما يتعلق الأمر بأعدائنا، وخاصة إيران، فإن موقفى بشكل عام هو أننا لا نعمل على خلق الدمار والإرهاب.. سياستى هى أنك إذا عبثت مع إسرائيل، فسوف تدفع الثمن؛ لن تتمكن من إيذاء إسرائيل من خلال الوكلاء سواء حزب الله أو حركة حماس معتقدا أنه يمكنك الإفلات من العقاب».
5ــ تأمين شركات الاتصال: قد تكون شركات الاتصالات طرفا فاعلا فى تدابير الدفاع السيبرانى فى بعض الأحيان، وقد تكون عرضة للهجمات السيبرانية فى أحيان أخرى؛ فقد تستخدم كبوابة للقراصنة الذين يسعون إلى التسلل وإصابة الأصول الاستراتيجية الإسرائيلية.
6ــ رفع قدرات القطاع الخاص السيبرانية: تهدف إسرائيل إلى ملاحقة المهاجمين فى ملاذاتهم الآمنة الرقمية لا سيما مع إفلاتهم من العقاب فى هجمات سالفة من ناحية، وإيجاد بروتوكولات للأمن السيبرانى للبنية التحتية مع استخدامها من قبل الجمهور بالمعنى الواسع من ناحية ثانية، وتوسيع أدوات ومهارات القطاع الخاص من ناحية ثالثة، وتأمين سلاسل التوريد من ناحية رابعة. إذ تدرك إسرائيل أهمية دعم الشركات الصغيرة لفهم طبيعة التهديدات السيبرانية والتصدى لها بالتوازى مع بناء القدرات اللازمة للدفاع عنها على نحو يسهم فى تعزيز الدفاع السيبرانى الوطنى.
• • •
ختاما، تعكس السياسات الإسرائيلية فى مجال الدفاع السيبرانى بشكل عام، وإنشاء «القبة السيبرانية» بشكل خاص كيف تغيرت ساحة الحرب فى نظر إسرائيل؛ وهو ما يحتم على السلطات المحلية والحكومة المركزية الاستعداد لها من خلال تدابير عدة تفرض مد أواصر التعاون بين مختلف الفاعلين الوطنيين فى الداخل، بل والاستعانة بالشركات التكنولوجية الكبرى فى الخارج أيضا.
النص الأصلى