خارطة الطريق الليبية الجديدة.. الفرص والاحتمالات فى ظل تصعيد عسكرى متصاعد - محمد بدرالدين زايد - بوابة الشروق
الجمعة 5 سبتمبر 2025 8:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

خارطة الطريق الليبية الجديدة.. الفرص والاحتمالات فى ظل تصعيد عسكرى متصاعد

نشر فى : الخميس 4 سبتمبر 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الخميس 4 سبتمبر 2025 - 7:35 م

 

أخبار التصعيد والحشد العسكرى المتواصل فى طرابلس وفى مناطق متعددة فى غرب ليبيا تأتى بعد أسابيع قليلة من خارطة الطريق التى أعلنتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه، والتى كانت مصر قد رحبت بها وذلك لما تضمنته المبادرة من محاولة جديدة لتحريك المياه الراكدة، وخاصة بعد الانتخابات البلدية الجزئية التى عقدت فى بعض المناطق الليبية - وليس كلها - ما يمثل ضوءا فى طريق ما زال بالغ الصعوبة.

من الصعب حتى الآن القطع بدلالة ونتائج تزايد التوترات العسكرية فى غرب ليبيا بشكل خاص نتيجة المواجهات العسكرية بين الميليشيات وعمليات التصفية والانفلات الجارى نتيجة محاولة الدبيبة فرض سيطرته، والميليشيات المؤيدة له على الأطراف المنافسة أو الأقل ولاء، وفى ظل توتر متزايد بسبب الملاحقات القضائية المحلية والدولية تجاه عدد من قادة الميليشيات والتى وصلت إلى استدعاءات من المحكمة الجنائية الدولية لعدد من هؤلاء الشخصيات، بعضها فى الشرق والنسبة الأكبر فى الغرب. 

ورغم هذه التطورات المقلقة من المفيد مناقشة ما أعلنته تيتيه خلال إفادتها الدورية أمام مجلس الأمن، فى 21 أغسطس الماضى، من خارطة طريق بمناسبة ما تحقق من إنجاز لم يكتمل فى الانتخابات البلدية الليبية، معربة عن أسفها من أنها لم تعقد فى كامل البلاد، وإن كنا نرى أنها عكست دلالات مهمة كما سنوضح.

• • •

تضمنت المبادرة الجديدة ثلاث ركائز، الأولى تنفيذ إطار انتخابى سليم يمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية.

والركيزة الثانية، توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة مؤقتة موحدة تتولى الإعداد لإجراء انتخابات وطنية فى ليبيا خلال فترة زمنية محددة تتراوح ما بين 12 و18 شهرا.

والركيزة الثالثة، إطلاق حوار مؤسسى يعالج القضايا الخلافية ويهيئ لإجراء الانتخابات.

كما تضمنت إفادتها - أيضا - ضرورة تعزيز قدرة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإعادة تشكيل مجلس إدارتها لملء المناصب الشاغرة الحالية وضمان استقلالها للقيام بمهمتها، ومعالجة المشاكل التى أدت إلى عدم إجراء الانتخابات فى 2021.

لكى نناقش بموضوعية ما الجديد فى هذه المبادرة وما هى فرصها، فإنه من المفيد الانطلاق مما انطلقت منه المبعوثة الأممية من جديد حقيقى وهو التمكن من عقد انتخابات بلدية فى مناطق بغرب البلاد كحدث مهم لا ينبغى التقليل من وزنه، وأنه خطوة مهمة على طريق طويل وصعب.

• • •

وربما كان أهم ما أسفرت عنه هذه الانتخابات هو الهزيمة الثقيلة التى منيت بها جماعة الإخوان المسلمين وفى المناطق التى يسيطرون عليها عسكريا وأمنيا، وهو ما يؤكد ما أقوله وبعض متابعى الشأن الليبى من أن مصدر الخلل فى نشوء المسألة الليبية كان ترديد وهم أن الصيغة الأممية التى جاءت بالإخوان فى الحكم فى طرابلس هى الاستجابة لوجود تيار وازن فى الحياة السياسية الليبية، وهى الصيغة التى بدأت منذ اتفاق الصغيرات عبر حكومتى السراج والدبيبة حاليا والتى فتحت الباب للتشوه السياسى وإعطاء وزن سياسى للميليشيات المسلحة التى ترفع شعارات الإسلام السياسى ولكنها مرفوضة من الشعب الليبى.

الحقيقة أننا نحتاج بعض الوقت لتقييم التجربة وماذا سيحدث فى المجالس البلدية، وهل سيمكن الأعضاء من ممارسة عملهم، أم سنواجه بظاهرة مماثلة لما حدث فى 2012 بالنسبة للمجلس التشريعى الذى انتخب آنذاك، من ترهيب وحصار للأعضاء؟ - إذا تكرر - ستكون له آثار وخيمة على المجتمع الليبى وثقته فى المؤسسات الديمقراطية.

وبطبيعة الحال فإن عدم انعقاد الانتخابات فى المنطقة الشرقية والجنوبية كان لابد من تداركه، لأنه يقلل من الأثر الإيجابى ولا يتفق مع الرؤية التى طرحها مجلس النواب عند انتخابه.

من ناحية أخرى لابد من المقارنة بين عدد من المبادرات والخطط التى طرحت من قبل وخاصة منذ عملية برلين الأولى والثانية، فالحقيقة أن أغلب الأفكار محل توافق، ولكن الطروحات منذ بدء الأزمة فى ليبيا تتوقف عند مناقشة قضية كبيرة، وهى كيف يمكن تأمين الانتخابات وقبول نتائجها من الميليشيات المسلحة؟ فبدون هذا نحن ندور فى حلقات مفرغة طوال الوقت.

• • •

للتذكرة ببعض التفاصيل فإن المشكلة بعد انتخابات 2012 كانت إرهاب الميليشيات للحكومة الليبية آنذاك برئاسة السيد على زيدان، وكذا إرهاب الأغلبية التشريعية المؤيدة للحكم المدنى، وهو ما أسفر فى النهاية عن الإطاحة بالسيد زيدان وهروبه من البلاد وحدوث فوضى، واضطرار الأطراف المهيمنة إلى عقد انتخابات جاءت بمجلس النواب الحالى وبأغلبية جديدة من غير المؤيدين لقضية توظيف الدين فى السياسة، واضطرار هذا المجلس للجوء لطبرق فى البداية قبل أن يستقر فى بنغازى لاحقا بعد تحريرها من هذه الميليشيات.

وللتذكرة - أيضا - احتجت قوى الإسلام السياسى بضعف الإقبال التصويتى آنذاك مع أن هذا كان نتيجة تخوف الناخبين من التصويت بسبب سيطرة الميليشيات فى أغلب أنحاء البلاد. وبتوضيح بسيط حاولت هذه القوى تنفير الشعب الليبى من التصويت لمحاولة الحصول على أغلبية، ومع ذلك جاءت أغلبية التصويت ضدهم بما يعكس الضآلة الحقيقة لوزنهم فى الحياة السياسية الليبية.

ثم تأتى المفارقة أن المبادرة الأممية، التى رعاها برناردينو ليون فى 2015، جاءت لكى تعطى لهذه القوى، التى فشلت فى الانتخابات، وزنا مساويا لمن فازوا ومن ثم جاء اتفاق الصخيرات الذى ما زال يحكم المعادلة السياسية فى ليبيا من خلال حكومة مؤقتة يسيطر عليها داعمو تيارات الإسلام السياسى عموما.

ومع ذلك فإن خارطة الطريق الجديدة - وخاصة بتشكيل حكومة جديدة - إذا استطاعت فرض هذا والمجىء بحكومة مستقلة حقيقية لعقد الانتخابات وتقبلها كل الأطراف فى أنحاء البلاد - تشكل خطوة مهمة يجب البناء عليها، مع النظر إليها بأنها مجرد بداية، فلابد من ضمانات حقيقية لعقد الانتخابات دون مخاوف من الإرهاب ولابد من آليات حقيقة لضمان التزام كافة الأطراف بنتائج الانتخابات، وبدون هذا لا يوجد أمل حقيقى لخروج ليبيا من هذه المعضلة الصعبة.

وفى جميع الأحوال سيتوقف الكثير على مستقبل الصراعات التى تزداد حدتها مؤخرا فى المنطقة الغربية كما سبق، والتى تعد نتيجة طبيعية لسيطرة الميليشيات والقوى غير المؤسسية على الأوضاع فى هذه المنطقة، سواء للصراع حول النفوذ أو الثروة، وبسبب التشبث الشديد بالسلطة من جانب رئيس الوزراء الدبيبة، هذا فضلا عن أن توقيت هذا التصعيد ربما يكون أيضا مرتبطا بمخاوف الميليشيات من تهديد نفوذها ومحاولة السيطرة عليها تمهيدا لترتيبات سياسية جديدة، وما هو واضح حتى الآن أن الفترة القصيرة المقبلة ربما تشهد تطورات ليبية مهمة. 


كاتب وأكاديمى، مساعد وزير الخارجية الأسبق ورئيس هيئة الاستعلامات الأسبق