مرّيت على بيت الحبايب.. أم حذيفة وأم بيشوي - أسامة غريب - بوابة الشروق
السبت 6 سبتمبر 2025 11:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

مرّيت على بيت الحبايب.. أم حذيفة وأم بيشوي

نشر فى : الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 5 سبتمبر 2025 - 7:05 م

غنّى عبد الوهاب زمان مريت على بيت الحبايب.. من اشتياقى أناجى أهله. كان هذا عام 1932 أما أنا فقد مررت على هذا البيت الأسبوع الماضى بعد غياب سنوات طويلة.

ومن المهم هنا توضيح أن عبد الوهاب كان يتحدث عن البيت الذى يضم الحبيبة، أما ما أتحدث عنه فهو البيت الذى قضيت فيه سنوات الطفولة بحى الظاهر، وهو عمارة فى بركة الرطلى من ستة طوابق ما زالت موجودة كما هى.

كان صاحب البيت هو المقدس عازر دميان وهو رجل رقيق مهذب يشبه الخواجات رغم كونه صعيديا أصيلا. من الطبيعى أنه ليس موجودا اليوم، لكنّ مَن فوجئت بوجوده هو مجدى صديق الطفولة الذى كان فى طريقه لدخول العمارة عندما لمحنى على الرصيف المقابل أقف محدقا فى المبنى. عرفنى وعرفته بسهولة رغم السنين ووقفنا نتضاحك ونستدعى الذكريات. أدهشنى أنه ما زال يسكن بنفس الشقة منذ خمسين سنة على الأقل. شىء عجيب أن يقضى المرء حياته كلها بنفس المكان.

لقد تنقلت فى خمس شقق فى أحياء القاهرة المختلفة بعد أن تركتُ هذا البيت، هذا غير مسكن فى الكويت ومسكن فى أبو ظبى وثلاثة مساكن فى مونتريال ومسكنين فى نيويورك.

بالنسبة لمجدى فقد مات والده ولحقت به والدته وتزوج شقيقاه كما تزوجت شقيقته وفرغ البيت إلا منه، وهو لم يتزوج وفضل أن يعيش خالى البال!. سألته عن الجيران فأخبرنى أنّ من كنت أعرفهم جميعا غير موجودين، فالآباء والأمهات ماتوا، أما الأبناء من نفس عمرنا فقد انتقلوا من زمان ولم يبق من الرعيل القديم سواه.

أشرت إلى شقة بالدور الأول كانت تسكنها الست أم سمرة وأولادها ماهر وسميرة وماجدة وكريمة، فقال إن بالشقة الآن أم عمار وأبناءها عمار وياسر وعبد الرحمن وحفصة. رفعت بصرى إلى بلكونة أم نادر وسألت عنها فقال إن أبناءها نادر وعادل وعواطف غادروا منذ دهور بعد رحيل الأبوين وحلت محلهم الست أم بيشوى وبافلى وكارولين.

ازداد شغفى بمعرفة ما جرى فى العمارة طوال عشرات السنين الماضية فتساءلت عن أم شكوكو المرأة البذيئة التى كانت تفتعل خناقة كل يوم وكانت تسب النسوة من الجيران بأقذع الألفاظ وإليها يعود الفضل فى تعرفى على شتائم ومسبّات غير تقليدية!. ضحك قائلا: ماتت من زمان وأولادها محمود الشهير بشكوكو وسامى وعفاف ماتوا أيضا وحل محلهم بالشقة السيدة المنقبة التى لا نعرف اسمها لكن عندها قتيبة ولؤى وعائشة.

قلت له: كدت أن أسـألك عن الست أم نبيل المسيحية ثم تذكرت أنها رحمها الله كانت والدتك!. علت ضحكته وهو يقول نعم أعرف أنكم كنتم تقولون عن أمى أم نبيل المسيحية تمييزا لها عن أم نبيل بالدور الثالث التى كان لديها نبيل ومحمد وهالة. قلت له: وماذا عن أم خليل الدلالة التى تطل شقتها على المنور وكانت لها طلعات إلى بيروت فى عصر تجارة الشنطة؟ قال وهو يقطب جبينه متذكرا: ياه..هل ما زلت تذكرها؟ لقد كانت تجلب معها من بيروت فتيات زى القمر وكنا نتطلع إليهن فى جنون شبِق..إن آخر ما أذكره أنها دخلت السجن فى قضية تهريب مخدرات وبعدها غادر الأبناء عزت وأحلام وسامية ولم نعد نعرف عنهم شيئا، والشقة مشغولة حاليا بالأستاذ مينا مدرس الكيمياء وبناته نانسى ولوسيندا ومارى.

نظرت إليه فى دهشة متأملا ثم قلت: هل تلاحظ يا مجدى التغيير الذى حدث بالنسبة لأسماء السكان؟.. أقصد التوجهات الظاهرة فى تسمية الأبناء التى تغيرت، فمثلا والدك الأستاذ أمين وأخوك نبيل وأختك مها.. هل هناك من يستطيع أن يعرف أنكم أسرة مسيحية من خلال الأسماء؟ ومثلهم أم نادر وأبنائها نادر وعادل وعواطف. كذلك هل هناك من يمكنه أن يخمن أن الست أم سمرة وأبناءها ماهر وسميرة وماجدة وكريمة عائلة مسلمة؟..ما الذى حدث لنا؟.

رمقنى فى أسى وقال: تريد أن تعرف ما الذى حدث لنا؟ دعنى أكمل لك باقى سكان العمارة.. أم فتحى التى كان لها ابن استشهد فى حرب أكتوبر يوجد مكانها أم حذيفة، وحذيفة هذا قد لقى مصرعه فى معركة مع الشرطة منذ عشر سنوات، ولقد كان يوما مشهودا جرت وقائعه بالرصاص الحى بالشارع أبطالها حذيفة وأصحابه من ذوى اللحى والجلابيب ضد قوات الأمن. قلت مشدوها: يا إلهى، فتجاوز دهشتى.

وأكمل: وأم فؤاد الذى كان يكبرنا فى السن وكان مشهورا بالحرفنة فى الكرة الشراب لم تعد موجودة لا هى ولا ابنها، وحل محلهما فى الشقة الأستاذ أديب وأبناؤه بهيج وأبانوب وكيرلس وجميعهم قد هاجروا إلى كندا، والشقة الآن مغلقة. أما شقة المحامى محمود التى كان يسكنها مع زوجته ليلى والابنة أمل والصغير حمادة، فقد استوطنها الحاج شاذلى وزوجته نظلة وابنهما صهيب.

عندما وجدنى مجدى صديقى القديم صامتًا بعد الاستعراض السكانى الذى قدمه لى قال: ليس هذا هو التغيير الوحيد فى العمارة، وإنما الزبالة التى كانت على أيامك تجد زبالًا يرفعها كل يوم أصبحت مكدسة فى المنور حيث تصادقت القطط مع الفئران ولم يعودوا غرماء بعد أن امتلأ المكان بالطعام الذى يكفى الجميع!   

أسامة غريب روائي وكاتب ساخر
التعليقات