نشرت جريدة القبس الكويتية مقالا للكاتب أحمد الصراف، تناول فيه مراحل تطور الشكل الرمزى للقلب، على الرغم من أنه لا يشبه القلب البشرى الحقيقى، عبر التاريخ من معتقدات فلسفية ودينية وزراعية وفنية، حتى ترسخ فى الثقافة الشعبية رمزا للحب والعاطفة والروح، وتحول مع الزمن إلى أيقونة عالمية ذات بعد تجارى ضخم.. نعرض من المقال ما يلى:
تعتبر صورة القلب النمطية، المتمثلة بـ«فصين مستديرين يلتقيان فى نقطة واحدة»، رمز الحب العالمى، وصحة القلب، ونجد شكله فى كل مكان تقريبا، على العيادات والصيدليات وبطاقات المعايدة، والمجوهرات، وملصقات السيارات، ولوحات مفاتيح الإيموجى، وحتى الحملات الإعلانية لدولة أو مدينة أو فريق كرة. ويكفى أن ما يصرف سنويا فى عيد الحب، أو فالنتاين، يقارب الثلاثين مليار دولار، علما بأن هذا الرمز لا يشبه القلب البشرى على الإطلاق، فمن أين جاء؟
تكمن الإجابة فى تاريخ طويل شكّلته الفلسفة والطبيعة والفن، فهذا الشكل المألوف الذى نعرفه اليوم مستوحى من معتقدات قديمة حول ما يمثله القلب، وقبل وقت طويل من تحديد العلم الحديث لوظيفته الخطيرة، فقد نظرت ثقافات والمعتقدات الدينية لغالبية الدول للقلب على أنه مركز العاطفة والفكر، وحتى الروح، ولم يكن لديهم فهم يُذكر لأهمية الدماغ، وغالباً لأن المخ لا ينبض كالقلب، ولا يبدى تجاوبا عند اشتداد المشاعر. وكان الفراعنة يتركون القلب داخل الجسم، بعد تحنيطه، معتبرين أنه أهم من الدماغ. وفى الفلسفة اليونانية، وصف أرسطو القلب بأنه مصدر الإحساس والحياة نفسها. وكان يُعتقد أنه أول عضو يتكون فى الجنين ومركز العاطفة البشرية. ومع قلة الوصول إلى تشريح الجسد البشرى، اعتمد الفنانون والرسامون الأوائل على الاستعارة، مبتكرين أشكالا منمقة ومتناسقة تعكس الدور الرمزى للقلب فى الروح بدلا من تشريحه الفعلى. وتشير إحدى أكثر النظريات إقناعا حول أصل رمز القلب إلى الزراعة القديمة ورمزية النباتات، بدلا من التشريح البشرى. فقد كان نبات السيلفيوم مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحب والخصوبة، ويعتقد بعض المؤرخين أن شكل جراب بذوره ربما أثر بشكل مباشر فى تطور رمز القلب. وبحلول العصور الوسطى، بدأ رمز القلب بالظهور بشكل متكرر فى الفنون، وفى الأدب الدينى فى أوروبا، وغالبا ما كان يرمز إلى الحب الإلهى أو الروحى. وفى الأيقونات المسيحية، صُوّر قديسون يحملون قلوبا مشتعلة أو يشيرون إليها، رمزا لإخلاصهم لله. وبرز قلب يسوع الأقدس فى الفن التعبدى فى العصور الوسطى، مشددا على مواضيع الحب والتضحية والرحمة، راسخا بذلك رمزا روحيا للقلب. وفى تفسيرات أكثر علمانية للقلب، بينتها مخطوطات من القرنين الـ13 والـ14 فى تبادل المحبين لصورة القلب، حيث يقدم رجل قلبه، الذى يشبه إلى حد كبير الرمز الحديث، إلى محبوبته، وكانت هذه الرسوم التوضيحية المبكرة للقلب حمراء اللون ومتناسقة ومنمقة، لكنها لم تتبع دائما اتجاه اليوم، فقد كان بعضها مرسوما برأس متجه لأعلى، بينما كان البعض الآخر أكثر زاوية، وأسهم اختراع المطبعة فى القرن الـ15 فى توحيد رمز القلب ونشره فى جميع أنحاء أوروبا.
وفى 1498، رسم ليوناردو دا فينشى إحدى أوليات الرسومات الدقيقة تشريحياً للقلب البشري، لكن تجسيده العلمى لم يكن له تأثير يُذكر على الرمز الرومانسى الذى كانت جذوره قد ترسخت فى الثقافة الشعبية. ومع تطور عيد الحب وتحوله إلى عطلة رومانسية فى إنكلترا وفرنسا، بدأ الرسامون والمطابع فى إنتاج كميات كبيرة من البطاقات والهدايا التذكارية المزينة برموز كيوبيد والزهور وزخارف القلب. وفى العصر الفيكتوري، أصبحت القلائد على شكل قلب وبطاقات عيد الحب المزينة بالدانتيل تعبيرات عزيزة عن المشاعر. لم يعد رمز القلب مرتبطا بعلم التشريح أو الفلسفة، بل تحول إلى رمز بصرى للحب والتواصل العاطفى، وهو دور لا يزال يلعبه حتى اليوم فى بطاقات المعايدة والرسائل النصية حول العالم، وتحول لتجارة تقدر بمئات المليارات.