قضية المساعدات العسكرية لمصر - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قضية المساعدات العسكرية لمصر

نشر فى : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

يغيب عن الساحة السياسية المصرية أى نقاش جاد حول أفكار وسيناريوهات التعامل مع مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة سنويا للجيش المصرى وتبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار، وعلى النقيض من ذلك تمتلئ واشنطن بنقاشات ودراسات تتعرض لمختلف البدائل الممكنة فى هذا الموضوع.

وأعادت كلمة الرئيس الأمريكى بارك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك الأسبوع الماضى لواجهة الأخبار قضية المساعدات لمصر بعد قوله إن بلاده لن تقدم على «توريد بعض الأسلحة للجيش المصرى، وأن دعم بلاده سيعتمد على تقدم مصر على المسار الديمقراطى». وقبل ذلك مهدت وزارة الخارجية الأمريكية لما ذكره أوباما بإرسال إخطار إلى الكونجرس تعبر فيه عن رغبتها فى تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر بقيمة 500 مليون دولار، وهو ما دشن مرحلة جديدة فيما يراها كثيرون فى واشنطن كإجراءات عقابية تجاه الجيش لإزاحته الرئيس المنتخب محمد مرسى يوم 3 يوليو الماضى.

إلا أن الادارة الأمريكية تدرك جيدا ضعف تأثير المساعدات فى منظومة علاقاتها مع مصر، من هنا جاء اعتراف أوباما خلال حواره مع شبكة سى إن إن يوم 23 أغسطس الماضى، وقال فيه إن «المساعدات لمصر لن تغير ما قامت وتقوم به الحكومة المؤقتة». إلا أن أهم ما ذكره أوباما قوله «إن العلاقات لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث». وطالب بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة.

•••

من هنا خرجت بعض الأصوات مقترحة بدائل لواشنطن تغنيها عما تحصل عليه مقابل المساعدات أو تطرح تغييرات جذرية على طبيعة ما تقدمه لمصر. فقد طرح الخبير العسكرى مايكل أوهانلون، وهو من أهم المتخصصين فى الشئون العسكرية ويعمل بمعهد بروكينجز، بدائل عملية حال إقدام مصر على أى إجراءات عقابية من ناحيتها. وذكر أنه إذا كانت واشنطن تخشى على مصالحها فى قناة السويس، فإن هناك مصالح أخرى تهم الأمن القومى الأمريكى على نطاق أوسع فى منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن هناك طرقا بديلة وإن كانت أطول وأكثر تكلفة. من هنا اقترح أن تعوض المليارات التى ترسل إلى الجيش المصرى أى تكاليف جديدة بعيدا عن قناة السويس.

فى الوقت ذاته طالب الخبير فى الشئون العسكرية المصرية روبرت سبرنجبورج، من معهد الدراسات البحرية العسكرية، ضرورة تغيير هيكل المساعدات العسكرية من أجل أن تحقق الأهداف المتغيرة التى تسعى إليها. ودعا سبرنجبورج إلى عدة تغييرات من أهمها تخصيص 20% من قيمة المساعدات العسكرية أو مبلغ 260 مليون دولار لبرامج مدنية. واقترح أن يشرف البرلمان المصرى المنتخب على تخصيص هذه الأموال للبرامج المختلفة بعيدا عن سلطة وزارة التعاون الدولى، وألا تصمم واشنطن على تخصيص جزء من هذه الأموال لبرامج دعم الديمقراطية والحوكمة، ومنظمات المجتمع المدنى كما دأبت فى الماضى.

إلا أن الخبير العسكرى طالب بضرورة تغيير نوعية المساعدات العسكرية وعدم التركيز على الطائرات النفاثة والدبابات والمدرعات واستبدالها بأسلحة خفيفة وأكثر ديناميكية وحرفية للتحديات الجديدة التى يتعرض لها الجيش المصرى.

•••

وعلى العكس من هذه الأصوات توجد بعض التوجهات لعدم المساس بالمساعدات لخطورة ذلك على مصالح واشنطن داخل وخارج مصر. من هنا دعت سفيرة الولايات المتحدة السابقة فى مصر آن باترسون الكونجرس إلى عدم التسرع باتخاذ قرار حول وقف المساعدات المقدمة لمصر. وقالت باترسون، المرشحة لمنصب مساعدة وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط، أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، إن المساعدات تحفظ لواشنطن نفوذها فى مصر لحد كبير، وتحافظ أيضا على مصالحها. ورغم أن الجيش المصرى لا يقبل دائما ما نطرحه عليه، إلا أن خسارة العلاقات والتواصل مع الضباط المصريين سيكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة. وعلينا الحفاظ على توازن المصالح والمبادئ.

ومؤخرا أشار تقرير صدر عن خدمة أبحاث الكونجرس، وهو الجهة البحثيــــــة الرســــــــــــــمية المرتبطــــــــــــــة بالكونجرس وتقدم لها تقارير دورية عن القضايا المهمة حول العالم، أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات لمصر مساهمة منها فى تأمين سيناء، وذكر التقرير أن واشنطن «تدعم مصر فى تأمين سيناء عن طريق إمدادها بمعلومات استخبارية، بما فى ذلك من رصد مكالمات هاتفية ورسائل تبث عن طريق الراديو بين المشتبهين بالقيام بأنشطة إرهابية»، وذكر التقرير أيضا «أن واشنطن تطلع مصر على صور تلتقطها أقمار صناعية وطائرات تجسس أمريكية». إلا أن التقرير أشار أيضا إلى أن الولايات المتحدة ترصد كذلك أى تحرك للقوات المصرية داخل سيناء!

•••

خلال مقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى مع صحيفة واشنطن بوست يوم 3 أغسطس الماضى، اتهم السيسى إدارة الرئيس باراك أوباما بتجاهل إرادة الشعب المصرى وبعدم توفير الدعم الكافى وسط تهديدات بانزلاق البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية. وقال السيسى إن الولايات المتحدة «تركت المصريين وحدهم» فى الأزمة وإنها «أدارت ظهرها للمصريين»، مضيفا أن «المصريين لن ينسوا ذلك لأمريكا»، وتساءل: هل ستواصل الولايات المتحدة إدارة ظهرها للمصريين؟».

فى عالم السياسة لا تقدم الدول لبعضها البعض مساعدات مجانية أو بدون مقابل، فالمصالح هى ما يجمع بين الدول، وهذه المصالح قليلها مستمر ومستقر، وأكثرها متغير وغير ثابت. المساعدات نفسها تسمم العلاقات بين القاهرة وواشنطن عندما يستدعيها بعض السياسيين وتستخدم كوسيلة تهديد، أو كمصدر مهم للنفوذ والتأثير لهم فى الداخل المصرى.

فهل يبادر الفريق أول السيسى ويلبى رغبة المصريين ويطلب من إدارة الرئيس أوباما وقف كل برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لمصر؟. لماذا لا يريحنا الفريق أول السيسى ويريح المتربصين بمصر داخل أمريكا والمتربصين بأمريكا داخل مصر، ويرفض كل المساعدات جملة وتفصيلا؟.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات