جاء وقت على السينما المصرية قامت فيه باستلهام حكايات الأفلام من صفحات الحوادث، حيث تنشر الصحف المصرية أغرب ما فى قصص الأرض من حكايات للمصريين اليومية، ليس المقصود هنا قصص الإجرام والخارجين عن القانون، ولكن كل ما يثير دهشة الناس، ومنها قصة وكيل الوزارة المرموق الذى تم القبض عليه وهو يمارس مهنة التسول، الخطأ هنا فى أنها مهنة لا يشرعها القانون، ومن ناحية أخرى فإن وكيل الوزارة قد بحث فى منتصف الثمانينيات عن وسيلة كسب إضافية لإقامة حد الحياة التى يعيشها، وسرعان ما تنافس كتاب السيناريو وكتبوا أكثر من فيلم، منها «الموظفون فى الأرض» إخراج أحمد يحيى وبطولة فريد شوقى وشويكار، ثم «حد السيف» لوحيد حامد من إخراج عاطف سالم وبطولة محمود مرسى، الفيلم الأول التزم بالخبر المنشور بالصحف، ورأينا وكيل الوزارة يتبع نصائح متسولة ويرتدى زى التسول، أما وحيد حامد فقد ارتقى بهذا الموظف الكبير وجعله وكيل إحدى الوزارات، طلعت هذا رجل وقور متزوج منذ سنوات طويلة، ولديه ابنتان وولد، لكل منهم طلباته التى لا تنتهى، ما يعنى أن منصبه الإدارى لا يكفى فى إشباع أسرته، وهذا الرجل فنان فى حياته الخاصة يعزف على آلة القانون، وعندما يتوجه لإصلاح الآلة يعرض عليه أحد الأشخاص العمل بدخل مغرٍ لدى الراقصة بلابل، وباعتبار أن العمل ليلى، فإنه يوافق على العرض ويبدأ فى التخفى حتى لا يعرفه أحد، فهو فى حياته الأولى ملتزم للغاية، يرفض الرشاوى، ويربى أبناءه بالمال الحلال حتى وإن كان ضيقًا، وهكذا تسير الحياة، ومن خلال المهنة الموازية يمنح أبناءه كل ما يطلبونه فى الدراسة والحياة العملية، وأهمية الفيلم أنه يحكى تفاصيل تلكما الحياتين لهذا الرجل، فالراقصة بلابل تعجب به وتعرف أنه وكيل وزارة ما يزيد إعجابها به، خاصة حين يرفض منصب الوزير ويبقى على حاله، مثل هذا الموقف يعرضه لجدل مع أبنائه، فلا شك أن كل منهم يبحث عن واجهة اجتماعية تسنده فى تحقيق طموحه، ومن هنا جاءت تفاصيل الحياة، فالرجل لم يتسول وهو فنان بما يعنى أنه مقبول على المستوى الاجتماعى، فلا يوجد ضرر حين يتعرف عليه اثنان من الموظفين اللذين يعارضانه ويستغلان الحدث لصالحهما، يحدث هذا فى الثمانينيات حيث الحياة بالغة الازدحام، والأسعار ملتهبة حتى على الأشخاص الذين يعملون على سطح النظام الإدارى، ولا شك أن هذا الأمر قد دفع وحيد حامد أن يغير من طبيعة الموظف الذى تحول فى الواقع إلى متسول مثلما رأينا فريد شوقى فى الفيلم الآخر، وجعل من هذا الموظف يعيش فى دائرة المتطلبات التى لا تنتهى، فحتى المشهد الأخير من الفيلم فلا شىء قد تم شرخه فى حياة طلعت هذا وحققت كل فتاة من خلال أبيها ما كانت تحلم به، إذًا فإذا كان الخبر المنشور فى الجريدة بمثابة فضيحة لهذا الموظف الكبير، فإن الفيلم دعوة إلى كل موظف لا يكفيه مرتبه، وكلنا هذا الموظف، لذا فالفيلم كان حالة من التنبؤ أن العاملين بالدولة عليهم مناهضة القانون وأن يعمل كل منهم فى مهنة إضافية أو أكثر، ولعل هذه الظاهرة قد حدثت بقوة فى المجتمع المصرى خلال العقود التالية وحتى الآن، بمعنى أن السينما هنا لم تعاقب الموظف الشحاذ، ولكنها وجدت له السبيل الشريف كى يساند حياته طالما لديه أسرة، أو يسعى إلى تكوين تلك الأسرة، وتلك الرؤى قد اختلفت من فيلم لآخر، فلا شك أن الفيلم الأول الذى كتبه مصطفى محرم لم يكن من أهدافه هذه الدعوة، وإن كان يحارب التسول، ويحبب الناس فى المتسولين الأكثر رقيًا.