للمرة الأولى فى تاريخ فرنسا، قررت وزارة التربية فى هذا البلد إدراج اللغة العربية رسميا ضمن مقررات المناهج الدراسية، بما يمكِّن تلاميذ المدارس الفرنسية اختيارها كلغة أجنبية. وكما يهم هذا القرار الفرنسيين من أصول عربية الذين أصبحوا بالملايين، يهم أيضا بعض الفرنسيين وأجهزة الدولة للتعرف إلى ثقافة مواطنة وجارة تمتد فى الوطن العربى من محيطه إلى خليجه.
***
القرار الرسمى، الذى سيبدأ العمل به من العام الدراسى المقبل، اتخذته وزيرة التربية ذات الأصول المغربية «نجاة فالو بلقاسم»، التى تتحدث الأمازيغية، وتفخر بأنها رعت الماعز فى طفولتها بإقليم الريف المغربى، أكدت أن هذا الإجراء سيمكن التلاميذ الفرنسيين من الانفتاح على الحضارات الأخرى ومنها الثقافة العربية، إلا أنها لم تنج من هجمات المعارضة اليمينية المتطرفة، على الخصوص، حين اعتبر نواب وشخصيات تدريس «العربية» فى المدارس الفرنسية سيبث الشقاق فى الأمة الفرنسية ويهدد تماسكها، وهو موقف يبرره تحفظ الأمم الأوروبية إزاء اللغات الأخرى، ذلك أن كل أمة تمتلك نرجسية لغوية، وتعتبر لغتها حية، وتتمتع بمناعة، وتعبر عن روح العصر. ويتشارك فى هذا الشعور الفرنسيون والإيطاليون والألمان والإنجليز والإسبان وغيرهم، ولا يشيع فى هذا الدول تدريس اللغات الأجنبية إجباريا، أما اللغة العربية فمازالت تعتبر «لغة جالية» وفى مستوى أدنى، بل إن اليمين المتطرف يرى أن تدريسها خطر لأنها «لغة ميتة لا تعزز إلا التطرف»، وهى تهمة تبرأ منها هذه اللغة ولا تمثلها.
***
وإذا كان واقع أهل «العربية» مازال يلهث وراء التطوير والتحديث ولم يلحق به بعد، فلا تلقى مسئولية ذلك على اللغة، وإنما على أصحابها الذين آثروا التغنى بالأطلال والأمجاد الخالية، وتقاعسوا عن حمايتها من التأخر والانقراض، برغم ما تمتلكه من مقومات اشتقاق وتصريف تخوِّل لها النهوض وتضعها جنبا إلى جنب مع أى لغة غربية حية، من تلك التى تُفرض، فى أغلب الأحيان، فرضا على الأمم الأخرى لدراستها وتعلمها.
بمعنى من المعانى، يعتبر إدراج لغة «الضاد» فى المناهج الرسمية الفرنسية تكريما لهذه اللغة العريقة وإنصافا لها بعد عقود من التهميش فى فرنسا.