نشرت صحيفة The wall street مقالا للكاتب Walter Russell رأى فيه أن الشرق الأوسط وما به من حروب وعدم استقرار لم يعد منطقة تهم الولايات المتحدة بينما ليس لدى الدول الأخرى القوة الكافية للعب دور فيه.. ولطالما مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة آمنة، فمن الأرجح أن تستمر سياسات الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط.. نعرض منه ما يلى.
«خذ بعيدا هذه الحلوى، فلا سمة لها».. يقال إن وينستون تشترشل قال هذه الجملة عندما قدمت له حلوى «بودنج» لا يوجد ما يميزها.. الشرق الأوسط اليوم يشبه هذا الـ«بودنج»، ولكن من قدمها كحلوى لا يمكنه أخذها بعيدا. فحلوى لا سمة ولا طعم لها أفضل من حلوى مسمومة.
من الصعب تحديد مدى التغيرات التى حدثت فى الشرق الأوسط فى الخمسة أعوام الماضية. فالسمات الرئيسية والروايات المهمة التى شكلت المنطقة فى القرن العشرين اختفت بشكل كبير.. لم يكن الأمر «نهاية التاريخ الفوكويامى»، عندما تمتص أو تهزم أيديولوجية ما جميع منافسيها. فكل الأيديولوجيات التى تنافست لرسم المنطقة فشلت.
تأمل الولايات المتحدة أن تعيد المنطقة تشكيل نفسها فى مجموعة من الديمقراطيات السلمية بعد ما سببته أحداث الربيع العربى من دمار.. لا يزال هناك ليبراليون فى العالم العربى، وبعضهم علمانى.. ولكن لا يعتقد أحد أن بمقدورهم قيادة المنطقة نحو مستقبل أفضل.
توفى أيضا حلم تحقيق دولة إسلامية ديمقراطية حديثة والتى مثلها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية فى تركيا. ما تحول إليه أردوغان من حكم استبدادى، ومع الإطاحة بنظام جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وتحول المتمردين فى سوريا إلى تبنى أيديولوجيات إسلامية راديكالية، ترك الإسلاميين المعتدلين يبدون سذج لا قيمة لهم مثل الليبراليين.
بعد داعش، فقدت أيضا الأيديولوجيات الإرهابية الجهادية الراديكالية بعضا من جاذبيتها. أظهر استطلاع أجرته «بى بى سى عربى» زيادة كبيرة فى نسبة العرب تحت سن الثلاثين الذين يعتبرون أنفسهم «غير متدينين».. كما تضاءلت الثقة فى الزعماء المتدينين.
تلاشى حماس القومية العربية القديمة لعصر عبدالناصر. وكان صدام حسين آخر زعيم عربى قوى.. لم يرفع أحد من بعده اللافتة التى تركها تسقط.
تنافس القوى العظمى مستمر، ولكن بكثافة أقل مما كانت عليه فى الماضى القريب. القوة العظمى الوحيدة القادرة على فرض نفسها على المنطقة، الولايات المتحدة، تحد من التزاماتها وتقلل من ظهورها، فى الوقت الذى تقلل فيه الصين أيضا من أى مصلحة جيوسياسية فى المنطقة، لذلك وضع التنافس بين القوى العظمى الشرق الأوسط جانبا.
أما القوى الأخرى، من روسيا وتركيا وإيران، لا يبدو أن أيا منهم على استعداد لتحقيق مكاسب حقيقية.. ربما طمح الاتحاد السوفييتى ذات مرة إلى ضم الشرق الأوسط بأكمله إلى مداره، لكن روسيا بوتين لديها طموحات أكثر تواضعا. لقد تدخلت فى سوريا وليبيا، وتتطلع إلى تعزيز مكانتها كوسيط وشريك نفطى، لكنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لوضع تصميم للمنطقة.
كما يبدو أن الإيرانيين محبطون. أضعف الفساد والتدهور الاقتصادى أيديولوجية المرشد الأعلى آية الله على خامنئى وسلطته فى الداخل. الضغط الاقتصادى والعقوبات الأمريكية قيدت النظام وقدرته على تعزيز طموحاته ودعم وكلائه فى الخارج.
وبينما يحلم أردوغان بجعل إسطنبول مركزا سياسيا وروحانيا جديدا للشرق الأوسط، فإن تركيا الحالية ــ مثل الإمبراطوريتين العثمانية والبيزنطية قبلها ــ محظوظة وملعونة بالموقع الجغرافى.. إن موقعها المركزى يجعلها قوة مهمة فى البحر الأبيض المتوسط والبلقان والقوقاز والشرق الأوسط، ولكن هذه المركزية تجعل تركيا مكشوفة أيضا من جميع الجهات لأعدائها. فى الوقت الحالى، علاقاتها مع الاتحاد الأوروبى وروسيا وإيران وإسرائيل ومصر واليونان سيئة.
ليس محتملا أن تقود الدول العربية المنطقة.. العراق وسوريا ولبنان وليبيا مزقتهم الحرب وأفقرتهم وقسمتهم. دول الخليج العربى غير قادرة على إحلال السلام فى اليمن ويعتمدون على مساعدة إسرائيل والولايات المتحدة فى مواجهة إيران. وتحول تركيز مصر، التى كانت ذات يوم قوة ثقافية وسياسية فى العالم العربى، إلى الداخل.
إن الوضع الراهن ليس حميدا ولا مستداما. لن تتوقف الحرب فى سوريا واليمن وليبيا من خلال جهود عمليات صنع السلام الروتينية. الركود الاقتصادى والسياسى يعنى ترك ملايين من الشباب العرب مدارسهم، مع فرص العمل وأمل أقل.
فى الوقت الحالى، الشرق الأوسط المشوش هو مكان لا يشعر فيه أحد بالسعادة ولكن المصالح الأمريكية آمنة؛ يتدفق النفط بحرية إلى أسواق العالم وإسرائيل آمنة. ولا يعتمد الدفاع عن هذا الوضع الفوضوى الراهن على الانتشار واسع النطاق للقوى الأمريكية.
بدأ الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط فى عهد الرئيس أوباما فى ظل تلاشى آمال إدارته تحقيق ديموقراطية إسلامية.. عرقل هذا الانسحاب لفترة وجيزة محاربة داعش، واستكمل مرة أخرى فى عهد الرئيس ترامب.. قد يحاول الرئيس بايدن إعادة العلاقات مع إيران وبذل مجهود أكبر لصنع السلام فى ليبيا وسوريا، ولكن فيما عدى التحديات الجديدة الكبرى، فمن المرجح أن تستمر إدارته فى مسار أوباما ــ ترامب.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://on.wsj.com/3gshcKp