• أوجعتنا يا إيلان.. أبكيتنا يا إيلان.. أدميت قلوبنا الموجوعة أصلاً عليك وعلي أسرتك وعلي بلادنا.. فضحتنا وفضحت بلاد العرب والمسلمين يا إيلان.. ألزمتنا الحجة وعلمتنا أن مجتمعاتنا أصبحت عقيمة في كل شيء.. فليس هناك لاعب كرة عالمي ولا مذيع عالمي ولكن صراخ وعويل.. ولا كاتب عالمي مثل العقاد بل شتائم وأكاذيب.. ولا صحيفة يشار إليها بالبنان بل أخبار تنقصها المصداقية ويتسرب إليها النفاق.. وليست هناك جامعة في التصنيف العالمي.. ولا مؤسسة لم ينخر فيها الفساد والبيروقراطية.. ولا فيلم حصل على جائزة عالمية.. ولكن عنف وضرب وجنس ورقص ومخدرات.
• وأخيراً ليس هناك مكان في بلادنا يأمن فيه طفل على نفسه مثل إيلان وأسرته الصغيرة.
• لقد وضعتنا أمام السؤال الذي لا نعرف له إجابة: لماذا يهرب العرب من بلاد العرب إلى الغرب؟!.. لماذا تضيق بلادنا بأهلها.. ولماذا هي طاردة لأبنائها ظالمة لهم ساحقة لعظامهم.
• لقد ماتت مناطق الإشعاع الحضاري التي كان الناس يتوقون ويتشوقون إليها فيرتحلون إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية ودمشق حاضرة الخلافة الأموية والقاهرة بلد العلم والعلماء.
• كيف أصبحت كل هذه البلاد مرتعاً للتفجيرات والعنف والقتل والدماء والكراهية والصراع السياسي .
• لو وجد إيلان وأسرته في سورياً طعاماً وأمناً وأماناً وعلماً وفكرا ً ورحمة وتسامحاً وعفواً ما تركوها وهم من عشاقها.. ولكن وجدوا فيها بشار وطغمته التي لا ترحم أحداً وداعش التي تذبح العسكريين والمدنيين والسنة والشيعة.. فلم يجدوا سوى القسوة والجفوة والغلظة والصراع والدماء.
• والغريب أن العرب تطردهم بلادهم وتقتلهم.. ويطلبون اللجوء إلى إخوانهم العرب فيرفضون بحجة الأمن دون النظر في كل حالة بمفردها.
.. إنه تعميم الأحكام وتعميم العقاب وهما مصيبة العرب على الدوام.
• تطلب أسرة إيلان اللجوء إلى كندا فترفض الأخيرة بكبر وصلف.. يحاولون الهروب إلى تركيا عبر قارب صغير يؤجره المهربون السوريون والأتراك.. فيهتز المركب بشدة.. تصرخ الأم.. ينادي الأب على المهرب الذي يطمئنه قليلاً ثم يقفز إلى المياه ويهرب.. يغرق المركب مع أول موجة عالية.. تغرق الأسرة واحداً بعد الآخر.
• يرى الأب ثمرات حياته وفلذات أكباده وهم يموتون واحداً وراء الآخر.. ومعهم شريكة عمره المخلصة ريحان 28 عاماً.. يحاول إنقاذهم دون جدوى.
• يستغيث الأب ولا مغيث.. يبكي يصرخ.. يولول.. غرق الجميع إلا الأب.. غرق غالب 4 سنوات.. وغرقت زوجته المخلصة ريحان.. وغرق إيلان.. دفع الموج بإيلان إلى شاطيء مدينة "بودروم السياحية" جنوب غرب تركيا.. كانت صورته تهز الوجدان.. كأنه ساجد لربه.. كأنه يشكو إلى ربه ظلم العباد.. ظلم بشار الذي أبى أن يترك الكرسي الزائل والثورة ما زالت سلمية بريئة نقية.. ويفضل أن يبيد ويهلك ويهجر ويقتل ويجرح ربع الشعب السوري على أن يترك لعاعة من دنيا زائلة.
• سجد إيلان بعد موته على الشاطئ ليراه العالم كله وهو يشكو إلى الله القاعدة وداعش وحزب الله وكل أرباب الحرب بالوكالة في سوريا الذين لم يفكروا يوماً في مثل هذا الطفل المسكين.. وفي مثل هذه الأسرة البائسة.. ماتت آلاف الأسر قبل ذلك دون أن يتعظ أحد من وكلاء الحرب في سوريا.
• ولولا أن المصورة "نيلوفير دمير" سجلت هذه اللحظة بكاميراتها ما فهم العالم كله رسالة إيلان.. وصلت رسالتك يا إيلان.. لقد عقمت مجتمعاتنا أن تحميك وتسترك وترعاك وترحمك أنت وأسرتك.
• لك الحق يا والد إيلان "أنك لا تريد من العالم شيئاً الآن بعد موت أسرتك سوى أن تجلس إلى جوار قبرهم".
• وهل قدم العالم الغربي للعرب وأمته شيئاً.. وهل سيصلحهم إذا فسدوا.. ويحررهم إذا استعبدوا أنفسهم.. ويلموا شعثهم إذا هم فرقوا أنفسهم.
• أمتنا تبني القبور والسجون.. وتصنع المتفجرات والدمار.. والأمم الأخرى تبني المدارس والجامعات وتصنع الحضارة والحياة الكريمة لأبنائها.
• عذراً يا إيلان فقد نشأت في أمة تحسن صناعة الموت بغير هدف.. ولا تعرف صناعة الحياة الكريمة.. عذراً يا إيلان فلم تستطع أمة المليار من حمايتك ورعايتك أو تجد لك مكاناً آمناً مترا في متر.. فحفرت لك ولأسرتك ولملايين السوريين والعراقيين والمصريين واليمنيين والليبين قبوراً.. عذراً يا إيلان فهذه الأمة ليست جديرة بأن ترعى طفلاً جميلاً بريئاً رائعاً مثلك.
• عذراً يا إيلان فالأمة مشغولة بالرقص والغناء وخناقات الأهلي والزمالك و"خمسة موا5555" والصراع السني الشيعي.
• الأمة التي باعتك باعت من قبلك الكثير والكثير من العلماء والنابهين والأفذاذ.. عذراً يا إيلان فأمتنا تركت جمال حمدان يموت أو يغتال بمنتهى اليسر والسهولة وهو في شبابه.
• عذراً يا إيلان فأمتنا لا تحيي ذكرى العلماء ولا تهتم بالنابهين والعباقرة.. هى لا تتذكر الآن سوى الراقصات.. عذراً يا إيلان فأنت لم تطلب من أمتك سوى حجرة وصالة آمنة مطمئنة لتعيش فيهما.. ولكن أمتك ضنت بذلك عليك.. وضنت بالقبر عليك.. وضنت بكل شيء.
• لقد ذكرني ذلك برائعة فاروق جويدة بعد مآساة عبارة السلام:
قد كان حلمي أن أرى قبري على أعتابك
الملح كفنني وكان الموت أرحم من عذابك..
ورجعت لكي أرتاح يوماً في رحابك
وبخلت يا وطني بقبر يحتويني في ترابك
فبخلت يوماً بالسكن
والآن تبخل بالكفن
• لقد رآك المصورون على ضفاف أوروبا ساجداً سجدتك الأخيرة وأنت ميت.. لم تنازع أحداً كراسي الحكم.. ولم تطلب من بشار تداول السلطة.. ولم ترغب أن تحرم كل الجبابرة في سوريا سواءً من الحكام أو الميلشيات الفاجرة نفوذها وسلطانها.. كنت ترغب في مكان صغير تلهو فيه وتلعب.. ولكن هؤلاء جميعاً ضنوا عليك به.
• أي سنة وأي شيعة يفهمون شيئاً عن أبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو الحسن والحسين يفعلون مايفعل هؤلاء في سوريا وغيرها.. آه لو عاد الصديق والفاروق وعلي والحسن والحسين لجلدوا هؤلاء جميعاً ولتبرأوا منهم جميعاً.. هؤلاء لا يدافعون إلا عن مناصبهم وأهوائهم وذواتهم وكراسيهم.
• لعنات إيلان وآلاف إيلان ستتنزل على كل من ساهم في القتل والتدمير والتفجير والبغي والديكتاتورية والظلم في كل مكان.
• عذراً يا إيلان ففي كل شارع في سوريا دولة وأمير ورئيس.. وهؤلاء جميعاً بداية من بشار وحتى أصغرهم جبابرة طغاة قساة.