إبراهيم الجراح مواطن لبنانى غادر بلده بعد ان مات والداه فى الحرب الأهلية بحثا عن حياة أفضل فى سوريا لم يجدها، ثم سافر إلى الكويت، وغادرها بعد شهور عقب غزو صدام حسين لها.
بعد سنوات فاز فى قرعة «الجرين كارد» التى تتيح له السفر إلى امريكا والحصول على جنسيتها. سوء حظه العاثر أنه وصل نيويورك قبل يوم فقط من تفجير برج التجارة العالمى فى 11 سبتمبر 2001.
سوء حظه الأكثر تعاسة ان مواطنا لبنانيا آخر هو زياد ولقب عائلته الجراح كان من المشاركين فى التفجيرات، ثم ان الشخص الذى قال انه سيقيم عنده تبين أنه ساعد منفذى الهجمات. بعد أيام تم القبض عليه وسجن لستة شهور من دون توجيه أى تهمة.
قبل دخوله السجن تعرف إبراهيم على فتاة أمريكية عندما دافع عنها ضد وحشية صديقها. الفتاة ظلت وفية له وأسكنته فى بيتها حتى وجد عملا بسيطا فى محطة للوقود يملكها هندى، لكن سرعان ما تم إغلاقها بعد مهاجمة عنصريين بيض للمحطة انتقاما من ذوى البشرة القمحية. حاول زياد الزواج من لبنانية وتكوين أسرة ليبدأ تحقيق حلمه، لكنه تفاجأ بسفرها ثم بخطاب حكومى يخطره بأنه سيتم ترحيله لأنه يمثل خطرا على الأمن القومى الأمريكى.
فى هذه اللحظة يئس إبراهيم، لكن الأمريكيين الذين ساعدهم قرروا ان يردوا له الجميل ووكلوا له محاميا كبيرا ونظموا حملة إعلامية ضخمة نجحت فى النهاية فى رفض طلب الترحيل بل وحصوله على الجنسية والزواج من الأمريكية التى وقفت بجانبه وشراء منزل وسيارة مرسيدس.
ما سبق قصة الفيلم الأمريكى «المواطن» الذى لعب دور البطولة المطلقة فيه النجم خالد النبوى، وشاهدت عرضه الخاص ليلة أمس الأول بصحبة بطله ونخبة من الفنانين والشخصيات العامة.
الفيلم ينتمى إلى تيار السينما المستقلة وشاركه البطولة وليام اثيرتون واجنيس بروكنر وكارى إيلوس وريزوان مانجى وإخراج سام قاضى.
احب السينما لكننى لست ناقدا فنيا، وأن ينجح ممثل مصرى فى دخول السوق الأمريكية للمرة الثالثة فهذا خبر جيد، وان تتحدث عنه كبريات الصحف الأمريكية فهذا أكثر من رائع. والآن نأتى للفكرة الأساسية للفيلم وهى التسامح وقبول الآخر.
المجتمع الأمريكى ليس الجنة الموعودة كما يعتقد الواهمون، وليس الجحيم كما يروج خصومه. هو مجتمع حيوى ومتنوع وقادر على قبول الآخر وصهره لخدمة القيم الأمريكية.
يحلو لبعضنا ان يصف المجتمع الأمريكى بأنه عنصرى واستهلاكى، ومتوحش وربما كان بعض ذلك صحيحا، لكن المشكلة اننا ننسى ان هذا المجتمع يحاول معالجة عيوبه أولا بأول، بل حاكم رئيسا أبيض وانتخب رئيسا أسود.
إحدى الرسائل التى وصلتنى من الفيلم انه فى ظل تدهور أوضاعنا العربية فإن شبابنا لن يكون أمامهم إلا الانخراط فى العنف الداخلى أو البحث عن فرصة للهجرة إلى الغرب عبر سفن الموت فى البحار أو مجاهدة قوانين الهجرة الصارمة.
لو تمكنا من خلق نماذج عيش وتوافق عربية، ربما عالجنا الهجرة المحمومة إلى الغرب، ووقتها فإن هذا الغرب لن يضطر إلى التعامل معنا باعتبارنا فئة زائدة على حاجة البشرية، كل أمالها ان تحظى بالجرين كارد لتعمل فى محطة وقود أمريكية يملكها هندى.
تحية إلى خالد النبوى وصناع فيلمه، فقد كشف لنا ان هناك نقاط ضوء ايجابية وسط العتمة الكبيرة التى تلفنا.