من الذى كسب ومن الذى خسر فى قمة العلا الخليجية رقم ٤١ التى عقدت يوم الثلاثاء الماضى، وانتهت بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرباعى العربى مصر والسعودية والإمارات والبحرين وبين قطر؟!
البيان الختامى للقمة لم يتطرق من قريب أو بعيد للأزمة وكيف تم حلها. هو تحدث عن تعزيز التعاون خصوصا الاقتصادى، ومواجهة كورونا ومكافحة الفساد والتحول الرقمى. البيان تضمن نقطة مهمة تقول إن توقيع مصر عليه هو توثيق للعلاقات الأخوية مع المجلس.
المتاح أمامنا من معلومات مؤكدة حتى الآن هو ما قاله وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب افتتاح القمة، ومعه نايف الحجرف الأمين العام للمجلس.
بن فرحان قال بوضوح إنه تم طى صفحة الماضى، وعادت العلاقات الدبلوماسية كاملة بين قطر والدول الأربع.
هذا كلام طيب جدا، لكنه أيضا عام جدا، ولا يشفى غليل المتابعين والمراقبين والمواطنين العرب الذين سألوا سؤالا بديهيا هو: «إذا كان الجميع يعرف لماذا تم قطع العلاقات فى ٥ يونيو ٢٠١٧، فمن حقهم أن يعرفوا على أى أساس عادت وهل استجابت قطر للمطالب الـ١٣ أو حتى المطالب الرئيسية؟!.
ورغم ذلك هناك تصريحات مهمة قالها الوزير أهمها أنه تم تسوية كل القضايا العالقة، والاتفاق على عدم استهداف الوحدة الوطنية للدول الموقعة، وعدم المساس بسيادة أى دولة أو تهديد أمنها. لو تم تحقيق ذلك، فإن المشكلة سيتم حلها من جذورها، لأن قطر تمكنت منذ عام ١٩٩٦ وحتى الآن من تحويل جماعة الإخوان إلى أداة لتحقيق مصالحها ومصالح قوى إقليمية ودولية. وهذه الجماعة صارت تستهدف الوحدة الوطنية لغالبية البلدان العربية.
لكن نعلم جميعا أن الشيطان يكمن فى التفاصيل، فهل التزمت قطر بالمطالب الرئيسية للبلدان الأربعة خصوصا مصر؟!
فى السياسة لا يحصل أى طرف على كل ما يطلبه كاملا إلا إذا حقق نصرا عسكريا كاسحا، ورفع الطرف الثانى الرايات البيضاء استسلاما. وهو ما لم يتحقق فى الأزمة الأخيرة، حيث أدى الجمود إلى ما يشبه استنزاف الطرفين، والمستفيد الوحيد هو إسرائيل وتركيا وإيران وقوى دولية أخرى «استحلبت» الطرفين بصفقات وعقود متنوعة.
كمواطن عربى، أتمنى أن يكون قد تم حل كل المشكلات العالقة فعلا، حتى تتفرغ البلدان العربية لمواجهة التهديدات والتحديات المتنوعة القادمة من إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا، وقوى دولية مختلفة إضافة إلى تحدى تهديد الإرهاب والأزمات الناتجة عن تداعيات كورونا.
صار معروفا أن التمنى أو الضغط الأمريكى على الأطراف الخمسة، إضافة للوساطة الكويتية، لعب دورا مهما فى تعجيل المصالحة، التى أتمنى ألا تكون قد حدثت شكلا لإرضاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومستشاره وزوج ابنته جاريد كوشتر، خصوصا أن هذه الإدارة ستغادر البيت الأبيض بعد أقل من أسبوعين، وبالتالى يبدو غريبا إصرارها على تحقيق المصالحة أو التهدئة إلا إذا كان كل ما حدث لرص الصفوف لمواجهة إيران بمساعدة إسرائيلية.
ورغم ذلك فالمنطق أن نرحب بما حدث باعتبار أنه يصب فى تحقيق مصالحة عربية، لكن مرة أخرى شرط أن تكون قائمة على أسس حقيقية.
شخصيا، ومن خلال العديد مع كثير من المصادر، فأنا واثق أن مصر لم تتنازل قيد أنملة خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بهذا الملف. الطلبات والتمنيات والمناشدات كانت كثيرة جدا فى الأسابيع الأخيرة، وزادت أكثر فى الأيام التى سبقت انعقاد القمة فى مدينة العلا التاريخية السعودية.
سألت شخصا مطلعا على ما جرى فقال لى إن مصر لم تشأ أن تكون هى العقبة فى المصالحة، وإنها لن تخسر شيئا من وراء توقيعها على بيان العلا، بل يمكنها أن ترى ما الذى سيحدث على أرض الواقع، خصوصا أن أى تطور إيجابى فى سلوك قطر فى الفترة المقبلة سوف يدفع ثمنه الإخوان الذين سيكونون الخاسر الأكبر عمليا فى هذه المصالحة، لأنه لا يعقل أن تكون النتيجة هى إعادة تعويم هذه الجماعة سياسيا فى المنطقة مرة أخرى. إذا صح أنه تم تسوية كل القضايا العالقة فإن كل العرب سيكونون رابحين، فى حين أن كل أعدائهم سيكونون خاسرين.
ظنى أن ما حدث ليس مصالحة كاملة، بل تهدئة، تنتظر سلوك الأطراف المختلفة، على الأرض خصوصا قطر، التى يصعب إن لم يكن يستحيل أن تتخلى عن علاقتها العضوية بالإخوان، لكن نعلم أنه لا يوجد أى مستحيل فى السياسة.