المرأة.. بين قيادة السيارة وزعامة ألمانيا - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرأة.. بين قيادة السيارة وزعامة ألمانيا

نشر فى : الجمعة 6 أكتوبر 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : الجمعة 6 أكتوبر 2017 - 10:25 م

جاء وفد من العراق إلى المدينة فسأل الصحابى الفقيه عبدالله بن عمر عن حكم دم البرغوث، فغضب ابن عمر غضبا شديدا وتهكم عليهم قائلا: تقتلون ابن بنت رسول الله وتسألون عن دم البرغوث، إنه التدين المغشوش حقا وترك قضايا الإسلام الحقيقية، وغياب فقه الأولويات فى الدين والحياة، والاهتمام بالقضايا الهامشية الفرعية على حساب قضايا الأمة الرئيسية وذلك حتى لا يدخل أصحابها فيما يؤرقهم أو يسبب متاعب لهم.

وسُئل فقيه: أى أنواع الموسيقى حرام؟! فأجاب: صوت الملاعق فى صحون الأغنياء البخلاء حين ترن فى آذان الفقراء، وصوت سلاسل معتقلين أبرياء حين ترن فى آذان البشرية الصماء، وصوت تفجيرات التكفيريين حين تمزق أجساد الأبرياء، وصوت رنين النقود حين ترن فى حسابات الفاسدين المفسدين.

هذا الفقيه هو الذى يمثل روح الشريعة بحق فقبل أن تسأل عن حرمة الموسيقى اسأل عن حرمة الاستبداد السياسى أو الظلم الاجتماعى أو أكل أموال الناس بالباطل أو أكل أموال اليتامى ظلما أو تفجير واغتيال ضباط الجيش والشرطة أو القضاة أو تفجير الكنائس أو اغتيال آحاد الناس أو الفساد المستشرى فى هذه الأمة المنكوبة أو سرقة ثروات البلاد جيلا وراء جيل أو سجن واعتقال الأبرياء بغير حق فى معظم دول المسلمين.

لقد غفل بعض الفقهاء عن مقاصد الشريعة الإسلامية العليا فمنعوا المرأة من قيادة السيارة وبذلك صوروا الإسلام أنه يمنع المرأة حقوقها أو يحول بينها وبينه، فظلموا الإسلام ورسالته.

ومنذ أيام صدر فى السعودية قرار تأخر عشرات السنوات بحق المرأة فى استخراج رخصة قيادة، والعجيب أن فعل هؤلاء الفقهاء وتشددهم فى غير موضع التشدد جعل هذا الحق والمكسب للمرأة يصب زورا فى خانة العلمانية وكأنها هى التى منحت الحقوق للمرأة.

وفى الوقت الذى فرح الكثيرون بالسماح للمرأة فى السعودية بقيادة السيارة ولهم حق الفرح، ورضى الفقهاء عن ذلك القرار تتربع ميركل على عرش ألمانيا للمرة الرابعة، وتقود ألمانيا إلى التطور والتقدم والتنمية والرفعة لشعبها، وتحقق لهم ما عجز عنه أكثر حكام العرب والمسلمين، لقد حققت لهم العدل السياسى والاجتماعى وكل وسائل الرفاهية.

الإسلام دين عظيم تحمله أحيانا أفهام سقيمة، لا تدرك أولوياته ولا تدرك رأسه من قدمه وقد تقرأه من نعله كما قال الغزالى، وأحيانا يدعو إليه دعاة يتكلمون بآرائهم أكثر مما يتكلمون باسم الإسلام، ويتحدثون عن أنفسهم أكثر مما يتحدثون عن الله ورسوله ويدافعون عن أحزابهم وفئاتهم ومصالحهم أكثر من دفاعهم عن الإسلام والدين، ويحبون تبييض وجوههم قبل تبييض وجه الإسلام نفسه المشرق حقا والذى يلطخه البعض بسوء الصنيع.

الصورة السلبية التى تكونت من فتوى هؤلاء الفقهاء الذين منعوا المرأة من قيادة السيارة أن الإسلام يحرم المرأة حقوقها والعلمانية تعطيها إياها.

قيادة المرأة للسيارة من المصالح المرسلة التى ليس للفقهاء فيها رأى أصلا، فهى مسألة فنية وليست شرعية، وهى موكولة إلى الناس أنفسهم وإلى الأسر وليس للسلطات الإدارية، فهو حق عام للجميع ومن أراد أن يمنع زوجته أو ابنته من ذلك لعلة فيها مثل النزق والطيش فى القيادة أو عدم الانتباه أو علل أخرى فهو حر فى ذلك، لكن الفقيه لا دخل له بهذه القضايا، وإدخال نفسه والدين فى هذه القضايا يضر بالفقه والدين والفقهاء ولا ينفعهم ويظهرهم بمظهر المتخلف عن جوهر الحياة وحركتها الدءوب التى لا تتوقف.

ليست مهمة الفقهاء الحديث عن المتغيرات أو تحويلها إلى ثوابت ولكن مهمتهم الدفاع عن ثوابت الإسلام مثل عقيدته وعباداته الأساسية مثل الصلاة والزكاة والحج والصيام والأخلاق الكريمة التى لا خلاف عليها، والحرام البين ضد من يحله زورا وبهتانا، والحلال البين ضد من يحرمه بغير حق، مهمة الفقيه هى الثوابت أما المتغيرات فهى لذوى الشأن فى كل تخصص.

أحيانا يهرب الفقهاء من قضايا الإسلام الرئيسية إلى قضايا فرعية تافهة لا يحتاج الإسلام ولا الأوطان ولا الناس إليها، وذلك تحت ضغوط أو إغراءات كبيرة أو نتيجة سوء فهم وقلة إدراك، يحدث ذلك رغبا أو رهبا، وكلاهما لا يليق بمن يبلغون رسالات السماء حيث إن من المفترض عليهم خشية الله وحده والصدع بالحق والرحمة بالخلق «الَذِينَ يُبَلِغُونَ رِسَالَاتِ اللَهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدا إِلَا اللَهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَهِ حَسِيبا» وهؤلاء حسيبهم والمدافع عنهم هو الله سبحانه وتعالى.
ويؤسفنى أن معظم الفقه الخليجى ييسر على أرباب السلطة وذوى النفوذ ويشدد على العوام، ومن يراجع تاريخ الفقه الذى يتبع المدرسة الوهابية عامة يلمح ذلك التشدد غير المنطقى مع عوام الناس وفى قضاياهم، مع أن العوام هم الأولى بالتيسير وعدم التشديد عليهم اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن إثما».

ولعل فتوى منع قيادة المرأة للسيارة وما تسببت فيه من ظلم للإسلام يعد نموذجا صارخا على ذلك، والإصرار فترة طويلة من بعض فقهاء الخليج على رمى الجمرات بعد الزوال مما كان يتسبب فى زحام قاتل، وأدى فى النهاية إلى مأساة نفق منى التى قتل فيها 600 حاج نتيجة التدافع الكبير، مع أن فقهاء الأزهر وغيرهم من الفقهاء كانوا يبيحون منذ زمن طويل الرمى ليلا لأن الرسول «صلى الله عليه وسلم» رخص لرعاة الغنم الرمى ليلا مراعاة لمصلحة الأغنام، فمن باب أولى مراعاة أنفس الحجيج وهى أغلى بكثير وأعلى من مصلحة الأغنام التى رعاها الرسول «ص»، ولذلك أباح الفقهاء منذ زمن طويل ومنهم الفقيه العظيم أبوحنيفة النعمان الرمى ليلا.

ولولا أن الحكام ألزموا الفقهاء هناك بتغيير فتاواهم ما غيروها، ونفس الأمر حدث مع موضوع قيادة السيارة.
والغريب أن هؤلاء الفقهاء استيقظوا متأخرين جدا ليبيحوا للمرأة قيادة السيارة وكأنهم لا يعيشون فى عصر أو لا يسمعون أن امرأة فى ألمانيا تدعى ميركل تقود ألمانيا وتؤثر فى أوربا والعالم للفترة الرابعة، ونحن ما زلنا نناقش هل تقود المرأة السيارة أم لا؟

أن الأولى بالتشديد والمحاسبة والمتابعة هم ذوى السلطان وأرباب النفوذ فى كل مكان، أما العوام من الناس فينبغى التسامح معهم والتيسير عليهم، أليس كذلك؟

التعليقات