أمريكا والحرب على غزة - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا والحرب على غزة

نشر فى : الإثنين 6 نوفمبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الإثنين 6 نوفمبر 2023 - 6:45 م

بمجرد اندلاع العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة، هرعت إدارة بايدن، إلى استبعاد انخراط واشنطن العسكرى المباشر، وتأكيد رفضها توسيع الصراع، جغرافيا وزمانيا. ومن ثم، أعلنت أن الحشد العسكرى الأمريكى الأضخم فى المنطقة، إنما يستهدف ردع إيران وحلفائها عن التدخل فى المواجهات، بما يضطر الأمريكيين للانجرار. حيث أكد مسئولون عسكريون أمريكيون رغبة بلادهم فى إظهار جهوزيتها لحماية مصالحها وحلفائها وشركائها، عبر «رد حاسم» على أى هجوم ضدهم، متعهدة بالتدخل حالة التصعيد الأفقى، أى فتح جبهات متعددة ومتزامنة ضد إسرائيل. ولم يستبعد وزير الدفاع، لويد أوستن، تحركا عسكريا أمريكيا حاسما ضد أى «منظمة»، أو أى «بلد» يسعى إلى توسيع النزاع، عبر تسخين جبهات أخرى.
لم تنقطع زيارات كبار المسئولين والمستشارين العسكريين الأمريكيين لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر المنقضى، حتى أمضى وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، سبع ساعات فى اجتماع مع مجلس الوزراء الحربى الإسرائيلى. فيما مكث الرئيس، جو بايدن، مثلها فى إسرائيل، وهى فى حالة حرب؛ أعرب خلالها عن دعمه الكامل لحملتها العدوانية ضد الفلسطينيين. وفى الأمم المتحدة، أفشلت واشنطن مشروعى قرارين بمجلس الأمن، أحدهما روسى والآخر برازيلى، كانا يدعوان إلى وقف فورى للنار. وبررت موقفها هذا، بأن تعليق الهجوم الإسرائيلى إنما يصب فى مصلحة حماس. ومن ثم، قدمت مشروع قرار، لا ينص صراحة على وقف إطلاق النار، ورفضته روسيا والصين.
على وقع التصعيد المتنامى من لدن إيران ووكلائها، أعلن وزير الدفاع الأمريكى أن بلاده سترسل المزيد من الأصول العسكرية إلى الشرق الأوسط، دعما لإسرائيل، تعزيزا للموقف الدفاعى الأمريكى فى المنطقة، وحماية لما يقدر بنحو نصف مليون مواطن أمريكى يعيشون فى إسرائيل. وبناء عليه، شهدت منطقة الشرق الأوسط، أضخم حشد عسكرى أمريكى، منذ عملية «عاصفة الصحراء» عام 1991. حيث عكفت، إدارة بايدن، على شحن ترسانة مكثفة من الأسلحة، الذخائر والطائرات المقاتلة. كما نشرت مجموعتين من حاملات الطائرات فى شرق البحر المتوسط، هما «آيزنهاور» و«فورد»، مصحوبتين بعشرات السفن والبوارج الحربية المرافقة لهما. وذلك فى رسالة ردع لإيران وحلفائها، حتى لا يتجاسروا على فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل. ونشرت الولايات المتحدة منظومة «ثاد» المعنية بإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، ذات الارتفاعات العالية، داخل وخارج الغلاف الجوى، فضلا عن بطاريات «باتريوت». وإضافة إلى وجود ألفين من مشاة البحرية الأمريكية على أهبة الاستعداد للانتشار فى المنطقة، يخطط البنتاجون لنشر زهاء 900 جندى، بينهم مشغلو 12 نظام دفاع جوى، بغية التصدى لهجمات الطائرات المسيرة، دعم جهود الردع الإقليمية، وتعزيز قدرات حماية القوات والقواعد الأمريكية. كما وضعت، إدارة بايدن، عددا إضافيا من القوات فى حالة تأهب، وأرسلت الوحدة الاستكشافية السادسة والعشرين لمشاة البحرية، ضمن خطة طوارئ احترازية، من أجل زيادة جاهزيتها وقدرتها على الاستجابة السريعة للتهديدات.
لم يسلم الوجود العسكرى الأمريكى بالمنطقة، ممثلا فى 2500 جندى متمركزين بالعراق، و900 فى سوريا، لمحاربة «داعش»، من الاستهداف. حيث اعترضت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية صواريخ ومسيرات أطلقها الحوثيون من اليمن. وفى سوريا، أكد مسئولان أمريكيان استهداف قاعدة «التنف» العسكرية التابعة للتحالف الدولى فى المثلث الحدودى بين سوريا، العراق والأردن، بثلاثة مسيرات. فيما استهدفت قاعدة أمريكية فى منطقة الشدادى جنوب الحسكة، بطائرتين مسيرتين. وقد أعلنت المقاومة الإسلامية العراقية مسئوليتها عن كلا الحادثين. وفى العراق، أعلنت المقاومة الإسلامية، استهدافها قاعدة «عين الأسد» الأمريكية بالأنبار برشقة صاروخية. فيما تعرضت قاعدة «حرير»، الموجودة بأربيل عاصمة إقليم كردستان، والتى تتمركز بها قوات أمريكية، إلى هجوم بطائرتين مسيرتين. وأعلنت فصائل شيعية مسلحة مسئوليتها عن الهجوم؛ ردا على دعم واشنطن للعدوان الإسرائيلى على غزة. بدورها، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، أن قواتها تعرضت للهجوم 19 مرة على الأقل فى العراق، وأربع مرات فى سوريا، منذ السابع عشر من أكتوبر المنقضى، ما أسفرعن إصابة 24 جنديا.
فى المقلب الآخر، اتهم، المرشد الإيرانى، واشنطن بأنها « تدير الجريمة فى غزة»؛ فيما حذرها وزير خارجيته، بأنها لن تنجو من النيران، إذا لم يتوقف العدوان الإسرائيلى على القطاع. ولم يستبعد خبراء تفعيل الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران، استراتيجية «وحدة الساحات»، عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع المقاومة الفلسطينية، تضم إيران، لبنان وسوريا. خصوصا بعد زيارة عدد من قيادات «كتائب سيد الشهداء» العراقية، التابعة لإيران، إلى منطقة الحدود اللبنانية، فى مهام تنسيقية مع مقاتلين تابعين لحزب الله. حيث رصدت دوائر استخباراتية تكثيفا للاتصالات بين الفصائل العراقية ونظيرتها التابعة لحزب الله، قبيل تحضير إسرائيل لاجتياح القطاع. إلى ذلك، هدد الأمين العام لكتائب «حزب الله» فى العراق، أبو حسين الحميداوى، فى العاشر من الشهر الفائت، باستهداف القواعد الأمريكية فى العراق، إذا ما تدخلت الولايات المتحدة فى حرب غزة. كما أكد، محمد التميمى، الأمين العام لفيلق «الوعد الصادق» بالعراق، مشاركته فى حرب غزة، فور أى انخراط أمريكى مباشر بالعمليات. مؤكدا تمتع الفيلق بالقدرات الهجومية، التى تخوله استهداف المصالح الأمريكية داخل العراق وخارجه.
ما إن اشتدت وطأة انتقادات الجمهوريين لإدارة، بايدن، التى اتهموها بالتراخى حيال إيران ووكلائها، حتى جاءت الاستجابة السريعة للضغوط الجمهورية. فبموازاة مساعى إدارة، بايدن، لمحاصرة حركة حماس، ماليا ولوجيستيا، نفذت مقاتلات أمريكية من طراز «إف 16 »، ضربات ضد منشآت تابعة للحرس الثورى وفصائله الموالية شرق سوريا. ونفى البنتاجون أى صلة لتلك الضربات بحرب غزة، معتبرة إياها ردا على سلسلة الهجمات، ضد قواعد وأفراد أمريكيين، فى سوريا والعراق، بدأت فى 17 أكتوبر الماضى. وشدد البنتاجون على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع أوسع نطاقا؛ ولكن إذا تمادى وكلاء إيران، الذين تبرأت الأخيرة من هجماتهم ضد القوات الأمريكية، فلن تتردد فى اتخاذ إجراءات تصعيدية إضافية لحماية قواتها.
لا تبدو واشنطن، عازمة على توسيع نطاق تدخلها العسكرى المباشر فى صراع الشرق الأوسط. فرغم تيقنها من مؤازرة إيران التسليحية والتدريبية لحركة حماس، لم توجه إدارة، بايدن، أى اتهام لطهران بالتورط المباشر فى عملية «طوفان الأقصى»؛ واكتفت بتوجيه تحذيرات متكررة لها ووكلائها، من فتح جبهات جديدة. كذلك، توافق أحدث تقييم للاستخبارات الأمريكية مع خطاب الأمين العام لحزب الله، بشأن حرص إيران ووكلائها على تجنب توسيع المواجهات مع إسرائيل. بدورها، أكدت نائبة الرئيس الأمريكى، عدم نية واشنطن إرسال قوات قتالية إلى إسرائيل أو غزة. فيما نفى المتحدث باسم البيت الأبيض وجود خطط لنشر قوات أمريكية فى غزة.
لما كانت كل حرب تستتبع تسوية؛ لم يخلُ الانخراط الأمريكى المتدرج والحذر، ومتعدد الأوجه، فى المواجهات بين إسرائيل وحماس، من احتمالات تحرك لإحياء مفاوضات المسار الفلسطينى المتيبس منذ العام 2014. فخلال محادثة هاتفية بينهما، أكد بايدن، لنتنياهو، أن رؤيته لما بعد حرب غزة الحالية، تتضمن إطلاق جولة جديدة من المحادثات بشأن «حل الدولتين». لكن التعويل على هكذا احتمال يبقى ضربا من التمنى. فبينما يعتبر مسئولون أمريكيون دعوة، بايدن، طموحة وغير واقعية، لا يقتنع اليمين الإسرائيلى المتطرف بفكرة إقامة دولة فلسطينية. ففى أعقاب الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982، طالب الرئيس الأمريكى، حينئذ، رونالد ريجان، رئيس الوزراء الإسرائيلى اليمينى أيضا، وقتها، مناحيم بيجن، بتبنى تسوية سلمية فى الضفة الغربية، لكن، بيجن، تجاهل الأمر.

التعليقات