القضية المهرجانية فى السينما العربية (٢ من ٤): من الجونة إلى وهران - إبراهيم العريس - بوابة الشروق
الخميس 6 نوفمبر 2025 11:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

القضية المهرجانية فى السينما العربية (٢ من ٤): من الجونة إلى وهران

نشر فى : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 6:55 م

اليوم فى وهران الجزائرية، وقبل أيام فى الجونة على ساحل البحر الأحمر البديع فى مصر، وقبل ذلك بأسابيع قليلة فى لاهاى الهولندية، وبعد أيام من الآن فى القاهرة لمواكبة الدورة الجديدة من مهرجانها السينمائى الدولى العريق، وخلال ذلك وبعده فى عدة بلدان أخرى ومثلها من المهرجانات السينمائية على الأقل.
القاسم المشترك هو وقوعها جميعًا فى مواعيد متقاربة، وعرضها جميعًا لأفلام عربية. والمزعج فى الأمر أنها غالبًا ما تكون الأفلام نفسها، وفى أحيان كثيرة أفلامًا لا تستحق كل هذا السفر والعناء من أجل مشاهدتها.
ومع هذا، فهى مواعيد سنوية مضروبة لا غنى عنها فى عالم السينما، ولو للتمتع بمشاهدة جماهير المدن ومهرجاناتها المتنوعة وهى تتدافع لحضور أفلامها.
والحقيقة أن مشهد تلك الجماهير يستحق العناء فى حد ذاته، وجمهور مهرجان وهران الجزائرى فى المقدمة، لأنه يكاد يكون الأكثر شبهًا بجمهور كان يصنع من مهرجان قرطاج التونسى فى سالف الأيام أحداثًا كبيرة.
جمهور وهران جمهور سينمائى حقيقى، محب للسينما إلى درجة أنه يكاد يكون الأكثر انجذابًا إلى الأفلام العربية، ويتملكه فضول كبير لاكتشاف جديدها، وهو ما يتضافر مع فخره بمدينته ومهرجانها رغم تقشف هذا الأخير المرتبط بضعف الإمكانات المادية فى هذا البلد.
ويتكامل هذا مع جدة المهرجان، فهو لا يزال دون العشرين من عمره، وقد واكبته عوائق كثيرة اضطرته إلى التوقف عن متابعة دوراته بعد تجارب أولى بدت مشجعة. غير أن الأحداث السياسية المحلية والعربية، واستشراء كورونا، وغير ذلك كانت له بالمرصاد؛ ناهيك عن أمور كثيرة تتعلق بأوضاع تلامس العلاقات السياسية المتوترة بين هذا البلد، الذى يبدى الكرامة على أى شىء آخر، وحتى على الفنون والأخوة العربية، وبين شغف الجمهور، الشاب خاصة، بتتبع كل جديد سينمائى عربى.
فى إطار هذا البعد، يبدو الجمهور السينمائى الوهرانى الشاب «دقة قديمة»، لكنها سمة تبعث كل أنواع الحنين من رقادها، وتشعر الضيوف العرب بأن هذه الزاوية من العالم تنتظرهم دائمًا، وتتشوق إلى نتاجاتهم، وتتعامل حتى مع الضعيف منها، ولا تبالى بالفروق بين نجوميتهم السينمائية أو تلك التلفزيونية.
وفى هذا المجال يسعد السينمائى العربى، الذى كثيرًا ما يحدث أن يغيب عن ساحة السينما الجزائرية طويلًا، حين يذكره الجمهور وأهل السينما هنا، كما تفعل حتى المقابلات التلفزيونية التى تُجرى معه، بكيف أن هذا البلد، أى الجزائر، بصورة عامة، كان يومًا منافسًا رئيسيًا لأم السينما العربية، مصر، فى الإنتاج والتقدم السينمائى، تاليًا لحصول البلد على الاستقلال، ولا سيما فى سنوات السبعين، يوم ساهمت الجزائر فى تأسيس جماهيرية السينما السياسية فى العالم كله بتمويل ودعم أفلام، حتى لغير الجزائريين (يوسف شاهين أو كوستا غافراس أو إيف بواسيه وعشرات غيرهم).
وكيف أن الجزائر حققت للسينما العربية أكبر انتصار حققته هذه فى تاريخها، بفضل فيلم الأخضر حامينا وقائع سنوات الجمر، الذى نال قبل خمسين عامًا من اليوم السعفة الذهبية فى مهرجان كان، أى الجائزة الأسمى التى يتطلع إليها كل مخرج وكل فيلم عربى وغير عربى.
والغريب أن حامينا رحل عن عالمنا قبل شهور، فى هذا العام بالذات، وفى وقت كان مهرجان كان فى فرنسا يستذكر سعفته الرائعة.
وهو أمر يدفعنا إلى التساؤل عن غياب ذكر الفيلم شبه التام، وغياب المناسبتين - الأولى الرائعة (السعفة نفسها)، والثانية الحزينة (رحيل محققها العربى الوحيد حتى اليوم، عن فيلم أرّخ للثورة الجزائرية ولو على طريقته الخاصة) - عن دورة من مهرجان وهران تعبق بالحنين وحب السينما.
كان من المنطقى أن تُقام دورة وهران، التى اختتمت أعمالها، تحت ظل محمد الأخضر حامينا وفيلمه، لكننا لم نرصد ذلك! وفى يقيننا أن المهرجانات قد تُقام أصلًا لغاية من هذا النوع.
ومهما يكن من أمر، هنا لا بد من القول إن مجرد إقامة الدورة الجديدة لمهرجان وهران، بما فيها من استضافات وهموم وتنظيم وشغف جلى بالسينما، يمكن أن يُحتسب تكريمًا كبيرًا ليس فقط لذكرى حامينا، بل لتلك الاندفاعة التى عرفتها السينما فى هذا البلد يوم تطلعت جماهيرها، وتطلع سينمائيوها، وتطلع محبو الجزائر - وهم بعشرات الملايين من أبناء الشعوب العربية ونخب من أهل السينما والفنون العربية - إلى أن تكون المناسبة الوهرانية طريقًا للتلاقى بين الفنانين العرب خارج إطار الخلافات السياسية والمناسبات الحدودية وما إلى ذلك.
وبهذا أعنى بالتحديد أنه كان من الأجمل أن تكون هناك أفلام مغربية وموريتانية وسورية وغيرها متاحة للجمهور الوهرانى، الذى من المؤكد أنه يتطلع إلى يوم تصله فيه أفلام من بلدان نشتاق نحن إلى أن نجد سينمائييها حاضرين فى وهران، إلى جوارنا فى الاستضافة الكريمة التى يتقن أهل البلد وسينمائيوه التعبير عنها، بشكل يتجاوز الإشكالات والعقبات السياسية.
السينما الجزائرية، ومناسبتها الوهرانية، المناضلة فى سبيل التقدم والاستمرار بنجاح لا شك فيه عامًا بعد عام، تستحق ذلك، ويستحقه سينمائيو البلدان المجاورة التى ما زالت تغيب عن مثل هذه المناسبات فى بلد احتضن السينما - وليس السينما المحلية فقط - فى حقبة رفعت من شأن السينما العربية كلها.

إبراهيم العريس إبراهيم العريس
التعليقات