جيل «زد» بين ممداني وانتخابات النواب - محمد بصل - بوابة الشروق
الخميس 6 نوفمبر 2025 11:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

جيل «زد» بين ممداني وانتخابات النواب

نشر فى : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 6:55 م


يعني إيه رموز انتخابية؟.. إيه الفرق بين الفردي والقايمة؟.. الحزب ده عمري ماسمعت عنه!.. الانتخابات الجاية دي نواب ولّا شيوخ؟.. أصوّت لواحد بس ولّا أكتر؟.. مفيش فئات وعمال؟.. تلك إجابات تكررت في أحاديث خضتها بالصدفة خلال الأسبوعين الماضيين مع عدد من الشباب الجامعيين، الطلاب وحديثي التخرج، المنتمين إلى الجيل "زد" Gen Z وتحديدًا الفئة العمرية الممتدة بين 18 و27 سنة، وبعضهم تخرج قبل فترة قصيرة في كليات قمة والتحق بوظائف ذات صلة بالمجال العام.

تلك الفئة تمثل نحو 20 مليون نسمة من إجمالي السكان بحسب أحدث أرقام أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أغسطس الماضي بمناسبة اليوم العالمي للشباب. والفجوة بينهم وبين استحقاق سياسي مهم مثل انتخابات مجلس النواب لا يمكن أن تخفى عليك عزيزي القارئ. تظهر في تفاعل أبنائك وإخوتك وأقاربك مع الدعاية الانتخابية في مختلف الدوائر، وتفضحها مقاطع الفيديو الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي. لفت نظري أحدُها حيث يتشدق مرشح مستقل بالدقهلية بأهمية مشاركة الشباب وقد اشتعل السرادق أمامه شيبًا!

ثم من المرشح أو الحزب الذي اهتم بهذا الجيل في برنامجه الانتخابي بصورة تتجاوز الأفكار الواردة في برنامج الحكومة والمبادرات الرسمية؟ وهل صادفتك دعاية موجّهة إلى الشباب بلغتهم وطريقتهم بعيدًا عن المحاولات الرديئة لمسايرة "موضات" موسيقية جديدة في أغاني المرشحين بالأقاليم؟ علمًا بأن التصويت يبدأ بعد ساعات.

منذ ثلاثة أسابيع طالبت هنا بأن يتبنى مجلس الشيوخ حوارًا مع جيل "زد" وتلقيت اتصالات متحمسة من قادة أحزاب ونواب، رحبوا بالفكرة ووعدوا بالعمل على تنفيذها حتى لا تتسع الفجوة أكثر بين هذا الجيل والتيار العام للسياسة والإعلام. لكن لقاءاتي الأخيرة بهؤلاء الشباب أنبأت بصعوبة المهمة. فيجب أن تسبق الحوار مقدمات لفهم شواغل أصغر شباب مصر ولغتهم، وإيمان بأنهم ليسوا سبب الفجوة كما يردد البعض في محاولة للتقليل من قدراتهم وتسفيه أحلامهم، وتكرار أخطاء الماضي بترديد عبارات من نوعية "دول شوية عيال قاعدين على تيك توك ويوتيوب".

في الولايات المتحدة يتحدث الإعلام عن الفجوة الجيلية نفسها داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وتتجه التحليلات إلى أن شباب "زد" في طور تفكيك ومراجعة أفكار حركة MAGA اليمينية الداعمة للرئيس دونالد ترامب والمعارضة للمؤسسات التقليدية خاصة تجاه اللوبي الصهيوني ومركزية إسرائيل. أما في نيويورك فقد لعبوا دورًأ خطيرًا في فوز زهران ممداني بالعمودية. فأبرزت "نيوزويك" أرقامًا تعكس مشاركة قياسية لصالحه في التصويت المبكر من قبل هذه الفئة العمرية قياسًا بانتخابات 2021 وبنسبة تأييد تصل إلى 62%.

يكبُر ممداني أقدم مواليد "زد" ببضع سنوات، لكنه اعتمد عليهم في حملته، وخاطبهم بعبارات واضحة -بعيدة عن التحذلق الأيديولوجي- عن حق السكن والإيجارات والأمان الوظيفي وأسعار المواصلات والوجبات السريعة. وحتى بالهوية البصرية لحملته الدعائية التي استوحت اللون الأصفر لأكشاك البقالة النيويوركية لتكسر ثنائية الأحمر والأزرق. واختياره لملابسه الأنيقة دون تكلف، وارتدائه ساعة "كاسيو" بعد عودتها "ترند" على معاصم طلاب الجامعات، كما ركز مع فريقه على المنصات الاجتماعية والإعلامية الأقرب إليهم.

قبل التصويت عكست تصريحات شباب "زد" للمواقع الأمريكية مثل Her Campus مزاجًا مختلفًا. لا يخشون استخدام كلمة "اشتراكي ديمقراطي" متحررين من اقترانها تاريخيًأ في أمريكا بالاتحاد السوفيتي، ويهتمون أكثر بقضايا قبول الآخر وحقوق الأقليات ورفع مستوى المهاجرين والطبقة العاملة. تغيّرٌ عبّر عنه ممداني في خطاب انتصاره التاريخي عندما قال "أنا شاب مهما حاولت أن أكبر، ومسلم، واشتراكي ديمقراطي. والأهم أنني لا أعتذر عن أيّ من ذلك".

من فعلها في نيويورك يستطيع فعلها في أي مكان، كما غنّى فرانك سيناترا. وجيل "زد" يبحث عن "الفاعلية والمردود". لا تنتظروا منهم اهتمامًا ببيانات عن الإنجازات، أو بمشاهد مشاركة صورية وفق سيناريوهات موضوعة سلفًا.

بمهارات رقمية متقدمة وموسيقى مختلفة وتطبيقات في متناول الجميع؛ يستطيعون التعبير بعمق عن شعورهم المتنامي بالعزلة وغياب العدالة، متجاهلين تنظير "الميلينيالز والبومرز" لأنهم لا يجدون أنفسهم في النائب والوزير والأستاذ الجامعي، ولا يكترثون بجمود اللغة، وذوقهم سريع التقلب ومتعدد التأثيرات. لكن ما الذي يضمن ألّا يتحول هذا "التجاهل" و"التقوقع" إلى تململ.. أو غضب؟!

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات