فى عناق الأيدى - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى عناق الأيدى

نشر فى : الأحد 7 يناير 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الأحد 7 يناير 2018 - 10:55 م
الشوارع مكتظة والضجيج كعادته فى مدننا لا يتوقف ليل نهار، تبقى تلك السيدة المتأنقة فى عربتها شديدة الفخامة حاملة سيجارتها بيد وهاتفها باليد الأخرى تاركة لك السؤال الملح ألا وهو وكيف تقود عربتها؟ هى وغيرها يتناسقان مع زمن الضجيج والصخب اللا متناهى.. ليس بعيدا عنها سائق لحافلة صغيرة تنقل البشر أحيانا دون تعب التوقف الكامل، هو ينظر للبعيد وهو الآخر حامل سيجارته بيد وباليد الأخرى يلوح للمارة والسائقين إما مكيلا الشتائم لهم أو حتى ناصحهم بالحركة السريعة والتعجل.. 

وأنت تتذكر تلك العبارة عند زيارتك الأولى لمعهد العالم العربى فى باريس حيث لفتتك العبارة «تعجل ببطء» حيث تسمرت عندها وحملت تلك البطاقة التى تحمل نفس العبارة وعدت بها للوطن ترددها على الجميع وتنصحهم بها أن يتعجلوا ببطء!

***

فيما الضجيج يغلف العالم والصخب هو الصوت الوحيد الذى يوحدنا ويجمعنا فى زمن التفرقة المغمسة بمعانى السمو والنبل المزيفين، هناك فى نفس تلك المدن التى تعرف الصخب أيضا ولكنه منظم ولا يخرج عن طائلة القوانين المفقودة لدينا، هناك يحلو المشى حتى تحت زخات المطر وتساقط الثلوج وتتعانق الأيدى فى تعبير عن كثير من الحب الذى ندعى دوما أننا قد احتكرناه ربما لأننا نملك كل ذاك الكم من الشعر والعبارات وربما لأننا ندرك أننا أصبحنا أمما متناقضة، متباعدة وكارهة لكل الآخرين ربما حتى أنفسنا. 

عن تعانق الأيدى تحدثت تلك العائدة من مدن الشتاء الدافئة! قالت كثيرا ما أتمنى أن أكون قد خلقت هناك أو ارتحلت لها ليس لأجل أى أمر سوى أن أعرف معنى عناق الأيادى الحرة بعيدا عن العيون والآذان الصاغية للغة الأيادى المحبة!

***

يردد الآخرون هنا أيضا لا يحلو السير فوق الكبارى وعلى أطراف الشوارع أو ما بينها من مساحات دون أن تتعانق الأيدى حتى بين الرجل والرجل والمرأة والمرأة.. تردد هى هذا أمر جميل ولكنى أطمح لعناق للأيادى مع شخص حميم جدا يأخذ يدى فى حضن قلبه.. يمرر أصابعه وكأنه يخاطب أصابعى بكثير من كلمات العشق لا أطمح فى أكثر من ذلك فقد تحولت كل طموحات النساء فى أوطاننا إلى مشاريع متواضعة جدا.. رجل أو رفيق يتجرد من وحل ثقافاته المتراكمة وتقاليده الصماء الجامدة.. ينظر أبعد من الجمال الخارجى ومظاهر الأناقة المسطحة جدا.. يحب الحديث عن رواية أخيرة أو قصيدة شعر أو حتى كتاب عن حال هذه الأوطان الممزقة أو عن فيلم «أرواحنا بالليل».. عن الحنين إلى تقارب الأرواح لا الأجساد عن الدفء الذى لا ينتهى وعن القدرة على تحويل أى موضوع مهما كان بسيطا فى مضمونه إلى حوار شديد الحميمية. 

***

هى وكثيرات غيرها فى أوطاننا لا يملكن سوى أن يحلمن أكثر وأكثر بأوطان لا تتلصص على الأيدى المتعانقة ببراءة شديدة فيما ينتشر العفن فى كل مكان وينمق ويلمع عبر وسائل إعلام تحولت إلى وسائل للجهل ونشر الكراهية والأخبار الكاذبة!
هى أيضا تردد كما أخريات أن عناق الأيادى لا يعرف الكذب والنفاق والتملق ولذلك لا يتقنه المنافقون ويرفضه حتى ذاك الذى يحتل أعلى مناصب فى أهم دولة تحكم العالم اليوم بالعصا والتهديد والمال! 

***

تعرف أن هناك لغة خاصة للأيدى ولا يعرفها إلا من يتحدث بلغة القلب الصافية دون شوائب... لتلك اللغة هى تحن فى صمتها مع كون شديد الضوضاء وتسير فى الطرقات بالمدن المتباعدة ممتنة للحظة تجلس فيها بعيدا عن تلك الحافة التى هى حافة الحياة.. هى كما غيرها كثيرات فى أوطاننا لا يملكن إلا الكثير من الأحلام فى المساءات الساكنة.. يبحثن عن القمر المتوارى بين غيمة وغيمة وينقشن على الضوء القادم من بعيد كثير من الحنين إلى عناق لأيدى لا يتلوث بعفن اللحظة ولا يحاصر ذاك العناق بكثير من الشوائب العالقة من ظلمات الأيام.

 

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات