السيسى بين واشنطن بوست ونيويورك تايمز - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيسى بين واشنطن بوست ونيويورك تايمز

نشر فى : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:05 م | آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:05 م
سُئلت خلال زيارة قصيرة للقاهرة عن «سر عداء أهم صحيفتين أمريكيتين، واشنطن بوست ونيويورك تايمز لنظام الرئيس السيسى الحاكم فى مصر؟». وبدا واضحا أن الدافع وراء التساؤل والاستغراب هو نشر صحيفة نيويورك تايمز افتتاحية يوم 25 مارس تدعو فيها إدارة أوباما لإعادة تقييم التحالف الأمريكى مع مصر، وتطرح تساؤلا حول ما إذا كانت العلاقات الخاصة مع القاهرة تعد فى صالح الأمن القومى الأمريكى. وأشارت الافتتاحية إلى أنه قد حان الوقت لتحدى مقولة إن التعاون العسكرى الاستخباراتى مع مصر لا غنى عنه. من ناحيتها فتحت صحيفة واشنطن بوست فى افتتاحية يوم 18 مارس النار على النظام المصرى على خلفية حادث مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة. وذكرت واشنطن بوست أن البرلمان الأوروبى دعا أعضاءه لوقف مبيعات الأسلحة والمساعدات الأمنية للقاهرة، معتبرا أن حادث مقتل ريجينى لم يكن حادثا فرديا، ولكنه ضمن سلسلة طويلة من حوادث الاختفاء القسرى، والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. وطالبت الصحيفة الرئيس أوباما بوقف الدعم الأمريكى لمصر، خاصة فيما يخص المساعدات العسكرية.

عقب نشر هذه الافتتاحيات التى تعبر عن رأى هيئة التحرير ادعت جريدة مصرية أن الصحف الأمريكية تترصد للنظام المصرى، وأكدت أن افتتاحيات الصحيفتين انتقدت نظام الرئيس السابق حسنى مبارك أربع مرات فقط خلال آخر ست سنوات من حكمه، مقابل انتقادها ست عشرة مرة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسى. ولا أعرف من أين استقت الصحيفة هذه الأرقام، إذ لم تترك الصحيفتان الأمريكيتان مناسبة إلا وانتقدت نظام الرئيس مبارك من خلال عشرات الافتتاحيات المهاجمة لسياساته. ولكى نتفهم موقف الصحيفتين من الشأن المصرى علينا العودة بنظرة سريعة على علاقتهما بكل من حكم مصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
فموقف الصحيفتين طالما كان ناقدا للإدارات الأمريكية المختلفة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية لعدم ممارستهم ضغوطا حقيقية على النظم المصرية الحاكمة من أجل تحسين سجلات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات بصفة عامة. وطالبت الصحف دوما، ومازالت، باستخدام سلاح المساعدات العسكرية المقدمة للجيش المصرى البالغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا.

عشرات الافتتاحيات خرجت تهاجم نظام الرئيس السابق حسنى مبارك عند كل مناسبة انتخابية أو سياسية مهمة، افتتاحيات عديدة خرجت تطالب بما تطالب به الافتتاحيات الأخيرة (الضغط باستخدام المساعدات العسكرية لتحسين السجل الحقوقى والديمقراطى) قبل كل زيارة قام بها الرئيس مبارك للعاصمة الأمريكية. وزادت حدة هذه الافتتاحيات عندما تعرض نظام مبارك لمعارضين سياسيين بارزين ومعروفين للدوائر الأمريكية مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم، أو الدكتور أيمن نور. كذلك كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية مناسبة مهمة للهجوم على مبارك وسياساته، وعلى موقف الادارة الأمريكية المتحالفة معه. ولم تختلف طبيعة نداءات الصحيفتين لإدارة أوباما بعد سقوط مبارك أثناء فترة حكم المجلس العسكرى. مناسبات عديدة مثل قضية المنظمات الأمريكية، أو أحداث محمد محمود أو حادثة ماسبيرو أو مجلس الوزراء، كانت مناسبات دافعة لتنتقد الصحيفتان سياسة أوباما تجاه مصر.

وتكرر نفس السيناريو بعد وصول الرئيس الإخوانى محمد مرسى لسدة الحكم. هاجمت الصحيفتان سجل حكم محمد مرسى فيما اعتبروه تهميشا للقوى المعارضة ومحاولة الانفراد بالحكم. وخرجت عدة افتتاحيات تهاجم مرسى وتدعو أوباما لاستخدام سلاح المساعدات للضغط عليه فى مناسبات قضية باسم يوسف، وقضية الدستور، ومناسبة الاعلان الدستورى وعنف الاتحادية، ومناسبة قتل وسحل بعض أتباع المذهب الشيعى، ومناسبة صدور حكم بالسجن على المتهمين وبينهم أمريكيون فى قضية المنظمات العاملة فى مصر.

***
ولم تتغير معادلة الصحيفتين ومطالبهما المستقرة للإدارة الأمريكية بعد سيطرة الجيش على الحياة السياسية ووصول عبدالفتاح السيسى لسدة الحكم. وتنتقد افتتاحيات الصحيفتين دوما سياسة إدارة أوباما تجاه مصر اكثر كثيرا من انتقادها لنظام السيسى نفسه. وليس سرا أن الاعلام الدولى والأمريكى تحديدا يمثل حلقة صعبة للنظام المصرى نراها بوضوح فى صورة الحكومة المصرية وممارساتها شديدة السلبية. ويترك ذلك النظام المصرى أما معضلة مزدوجة، أول عناصرها تظهر فى الانزعاج الكبير لكل ما ينشر عن الحالة السياسية فى مصر ويُنتقد فيها غياب الديمقراطية والحريات وانتهاك حقوق الانسان، إضافة للحساسية المفرطة لو نجح أحد المعارضين المصريين فى نشر مقال رأى، أو الظهور على أى من الشبكات التليفزيونية الأمريكية. وثانى عناصر المعضلة تظهر بوضوح فى سعى النظام نفسه وكبار مسئوليه والمحسوبين عليه فى الوصول للإعلام الأمريكى لعرض وجهات نظرهم، وتبرير سياساته، وذلك على الرغم من الهجوم المستمر بلا توقف على نزاهة هذا الاعلام.

لا يُؤتمر الاعلام الأمريكى بتوجهات البيت الأبيض، وفيما يتعلق بالحالة المصرية، تقف الصحيفتان على النقيض من موقف إدارة أوباما. أجمعت واشنطن بوست ونيويورك تايمز على توصيف تدخل الجيش لإزاحة الرئيس محمد مرسى فى منتصف 2013 كانقلاب عسكرى، ودعت الصحيفتان أوباما إلى الاعتراف بأن ما حدث بمصر هو انقلاب لا لبس فيه، وهو الموقف الذى لم يتبناه الرئيس أوباما. وليس هناك توافق على الموقف من مصر، بل هناك خلاف قيمى وفجوة واسعة بين موقف الإدارة والاعلام الأمريكى تجاه مصر، وهو ما يشبه الفجوة نفسها بينهما تجاه تركيا على سبيل المثال.


***
من يقرأ النقد المصرى الرسمى والإعلامى للافتتاحيات الصحفية يتخيل وجود وزارة إعلام فى واشنطن ترخص وتسحب تراخيص الصحف، وتحدد الخطوط الحمراء للخطاب الإعلامى، وتقرر من تكافئه بالعمل مراسلا فى الخارج. على القارئ فى مصر أن يدرك أن الصحف الأمريكية ملك لأصحابها سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات خاصة، ولا توجد جهات حكومية تنظم عمل الاعلام أو توجهه. علاقة الإعلام بالسلطة السياسية معقدة ومتشابكة، ولكنها دائما ندية. الإعلام لا يخضع للبيت الأبيض، وإلا لم نكن لنعرف عن فضائح سجن أبو غريب بالعراق أو انتهاكات حقوق المعتقلين فى معتقل جوانتانامو.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات