إذا لم يتم ردع الاحتلال التركى للعاصمة الليبية طرابلس والعديد من المدن الليبية الأخرى، فقد نتفاجأ بأن الجيش التركى ومرتزقته وميليشياته المتطرفة موجودة على حدودنا الغربية.
ما حدث من تطورات فى ميادين القتال الليبية خلال الأيام الأخيرة فى غاية الخطورة، واستمراره يعنى فرض حقائق جديدة ومريرة تهدد الأمن القومى المصرى والعربى.
القاهرة تحركت فى الأيام الأخيرة، ونجحت فى حل الخلافات العالقة بين قائد الجيش الليبى خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبى عقيلة صالح، ثم شاهدنا إعلان القاهرة عقب اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسى مع كل من حفتر وصالح يوم السبت الماضى، والمؤتمر الصحفى المشترك فى مقر الرئاسة المصرية.
المبادرة التى وردت فى الإعلان جيدة جدا، حيث تضمنت وقف إطلاق النار، والتأكيد على وحدة وسلامة الأراضى الليبية، واحترام جميع الجهود والمبادرات الدولية ومخرجات قمة برلين واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية «5+5» بجنيف، وإخراج المرتزقة الأجانب، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها حتى يتمكن الجيش الوطنى الليبى بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياته.والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، وإعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية وأن يقوم المجلس الرئاسى باتخاذ قراراته بالأغلبية.
أما عن المحاور الأساسية للمبادرة فإنها تتمثل فى قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (المنطقة الشرقية ــ المنطقة الغربيةــ المنطقة الجنوبية) بتشكيل مجمع انتخابى يتم اختيار أعضائه من مجلسى النواب والممثلين لكل إقليم. وقيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسى، ومن ثم قيام المجلس الرئاسى بتسمية رئيس الوزراء. وحصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية طبقا لعدد السكان، وتسمية رئيس الحكومة على ألا يجمع أى إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث.وقيام المجمع الانتخابى لكل إقليم بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة الليبية، وتحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية بـ18 شهرا، وضمان توزيع عادل للموارد لجميع المواطنين.
لكن السؤال ماذا عن الطرف الآخر، وهل سيقبل المبادرة؟!
حكومة الميليشيات التى تسيطر على طرابلس، صارت دمية فى يد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ،يحركها كما يشاء. وقادة جماعة الإخوان المكون الأساسى لحكومة فايز السراج، سارعت برفض المبادرة ،والإعلام الإخوانى الدولى فى كل مكان، يتعامل باعتباره كسب المعركة العسكرية، خصوصا بعدما انسحبت قوات الجيش الليبى من معظم مدن الغرب الليبى مثل صرمان وصبراتة وبعدها من جنوب طرابلس ثم من قاعدة الوطية وترهونة وبعدها من بنى وليد، مما جعل الميليشيات الإرهابية تسيطر تقريبا على كامل الغرب الليبى، وتحاول السيطرة على سرت.
هناك لغز كبير بشأن هذه التطورات، فقوات الجيش الليبى كانت تحاصر حتى أسابيع قليلة مضت حكومة الميليشيات فى قلب العاصمة، بل ووصلت قواتها إلى الحدود التونسية، وكانت دائما تقول إنها على بعد أربعة كيلومترات من قلب العاصمة، وفجأة حدث انهيار كبير فى جبهات القتال.
صحيح أن تركيا تدخلت بكل قوتها، وأرسلت أكثر من ١٢ ألفا من الخبراء العسكريين والجنود والفنيين والمرتزقة، إضافة للطيران المسير، وكذلك بالقصف المدفعى المستمر من البحر المتوسط، لكن هناك ألغاز تقف وراء هذا التراجع السريع لقوات الجيش الوطنى الليبى.
أردوغان يستقبل السراج بصفة منتظمة، وفى كل مرة يؤكد دعمه لحكومة الميليشيات التى حوّلها إلى مجرد واجهة للاحتلال التركى السافر للأراضى الليبية.
أردوغان لم يعد يخفى أطماعه فى ليبيا. مشروعه للهيمنة والسيطرة العثمانية على المنطقة تلقى ضربة قاسية فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ بإسقاط الشعب المصرى لنظام حكم الإخوان، لكنه لم يستسلم، وما يفعله فى ليبيا هو محاولة جديدة لتكرار ما فشل فيه طوال السنوات الماضية.
تمكين الجماعات المتطرفة من حكم ليبيا، يعنى إعادة الروح لهذا المشروع القومى التركى العثمانى، الذى يتخفى خلف لافتات متنوعة، حينا باسم الخلافة الإسلامية، وحينا باسم الدفاع عما يعتبرها «أرض الأجداد فى ليبيا» لكن الجديد أن هناك مطامع اقتصادية واضحة تتمثل فى التنقيب عن النفط والغاز فى السواحل الليبية، ومناكفة مصر وقبرص واليونان فى ثرواتها من الطاقة والغاز فى شرق المتوسط.
الخطوة الجوهرية التالية للاحتلال التركى وميليشياته هى محاولة السيطرة على الهلال النفطى الموجود أساسا فى البريقة ورأس لانوف، وهو يحلم أن يصل للحدود المصرية.
السؤال: لماذا هذا الصمت الدولى، ولماذا تسمح أوروبا وأمريكا لأردوغان بكسر حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، وما سر الصمت الجزائرى والتأييد التونسى للاحتلال التركى؟!!.
أسئلة تحتاج إلى إجابات عاجلة وتحركات سريعة حتى لا يزداد الموقف تفاقما.