بين أفضل النتائج الإيجابية لافتتاح المتحف المصرى الكبير يوم السبت الماضى، ارتفاع الروح المعنوية لغالبية المصريين، وإعادة تذكيرهم بأنهم أحفاد حضارة عظيمة ضاربة فى جذور التاريخ. والسبب أن الافتتاح يأتى فى وقت يحاول فيه كثيرون التقليل من دور وقيمة ومكانة مصر على أصعدة عديدة.
إحدى الرسائل الأساسية للمتحف أن المصريين الحاليين قادرون على الإنجاز حينما تكون الرؤية واضحة والإرادة حاضرة والعزيمة متوافرة.
لكن من المهم ملاحظة الخيط الرفيع جدا بين الفخر بما أنجزه الأجداد، والتفاخر بما لم نتمكن نحن الأحفاد من إنجازه حتى الآن.
صحيح نحن نحاول ونعافر، لكننا نواجه تحديات كثيرة، ونعانى من مشاكل عديدة، وبالتالى علينا ألا ننسى فى زحمة الفخر هذه التحديات والمشاكل، حتى نتمكن من مواجهتها بالطريقة الصحيحة والتغلب عليها وألا نقع فى فخ التفاخر الأجوف.
الأجداد صنعوا حضارة شهد بها العالم أجمع، حضارة تقول إنهم برعوا فى العديد من المجالات، خصوصا الفلك والهندسة والطب والزراعة، وهى الأسس الرئيسية لمعظم الحضارات الحديثة أيضا. الآثار الباقية تقول إنهم وصلوا إلى درجة غير مسبوقة من الفن والمهارة والابتكار والإتقان.
لكن أحد الدروس المهمة التى يجب أن نتذكرها أنه حتى هؤلاء الأجداد حينما تقاعسوا عن الاستمرار فى العمل والتقدم والنهضة والإنجاز تعرضت حضارتهم للتراجع، وتمكنت قوى أخرى كثيرة مجاورة أو بعيدة من احتلال مصر لفترات طويلة.
وقائع التاريخ تقول لنا إنه ومع نهاية الدولة الحديثة فى العصر الفرعونى ١٠٧٠ - ٣٢٢ قبل الميلاد، مرت مصر بفترات حكم داخلى متقطع خلال عهد الأسرة الحادية والعشرين إلى الأسرة الثلاثين، وبعدها تعاقبت عليها غزوات خارجية مثل الليبيين الذين أسسوا الأسرة ٢٢ – و٢٣ من ٩٥٠ - ٧٢٠ ق. م، ثم النوبيين أو «الكوشيين» أو الأسرة ٢٥ من ٧٥٠ - ٦٥٦ ق.م، وكانت عاصمتهم نبتة فى النوبة. ثم الأشوريين الذين غزوا مصر وأسقطوا حكم الكوشيين فى عام ٦٧١ ق. م ثم الفرس أو الإمبراطورية الأخمينية وحكموا مصر مرتين حتى ٣٣٢ ق. م.
ثم الحكم المقدونى واليونانى حتى ٣٠ ق.م حينما دخل الإسكندر الأكبر مصر وأسس مدينة الإسكندرية.
وبعد وفاته تولى بطليموس الأول حكم مصر، وظلت الدولة البطلمية تحكم مصر لمدة ٣٠٠ سنة وآخرهم كانت كليوباترا السابعة التى انتهى حكمها بعد هزيمتها أمام الرومان عام ٣٠ ق.م، وبعدها جاء الحكم الرومانى والبيزنطى واستمر حتى ٦٤١ ميلادية.
ثم الفتح الإسلامى فى نفس العام، ومن يومها صارت مصر دولة إسلامية فى عهود الخلفاء الراشدين ثم الخلافة الأموية فالعباسية والطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية والمماليك والعثمانيين وأسرة محمد على والاحتلال البريطانى وصولا للعصر الجمهورى الذى بدأ عام ١٩٥٢ ومستمر حتى الآن.
الهدف من هذا العرض التاريخى الموجز هو أنه حينما تكون قويا وناهضا ومتمكنا تكون صاحب قوة شاملة وهو ما يقود إلى حضارة فاعلة ومؤثرة، وحينما تضعف وتتراجع يخفت دورك ويصعد دور آخرين، وهذا أحد الدروس المهمة فى التاريخ. ويمكن لمن يريد الاستزادة فى هذا المضمار قراءة موسوعة «قصة الحضارة» للمؤلف الأمريكى ويل ديورانت ويتناول فيه بالشرح والتفصيل جميع الحضارات البشرية منذ بدايتها وحتى القرن التاسع عشر.
وهناك أيضا كتاب شديد الأهمية وهو «صعود وسقوط القوى العظمى.. التغير الاقتصادى والنزاع العسكرى» لمؤلفه بول كيندى، ويناقش فيه سياسات واقتصادات القوى والإمبراطوريات الكبرى وأسباب صعودها ثم انهيارها.
من حقنا جميعا أن نفخر بحضارة أجدادنا، لكن علينا أن نكون واعين دائما بأسباب صعودها ثم تراجعها، وعلينا أن نكون أكثر وعيا بأسباب تراجعنا فى العقود الماضية.
مرة أخرى هناك خيط رفيع بين أهمية شعورنا بالفخر لحضارتنا وبين ضرورة أن نعرف أين نقف وما هو مقدار دورنا وتأثيرنا ودور وتأثير الآخرين.
وبالمناسبة حينما أقول الحضارة المصرية فلا أقصد فقط الفرعونية، بل كل مكونات وطبقات وتجليات هذه الحضارة من أول الفراعنة نهاية بالعرب.
فنحن - كما أعتقد - فراعنة وعرب وأفارقة أيضا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين. وعلينا أن نتوقف عن الصراع العبثى الذى يريد أن يحصر هويتنا فقط فى أننا فراعنة فقط أو عرب فقط أو أفارقة فقط.
أخيرا علينا أن ندرس بدقة لماذا تفوق الفراعنة، ولماذا تراجعوا، ولماذا تفوق الغرب فى حضارته الحالية، وهل يمكن أن ننافسهم وكيف؟!