كانت الحياة الأدبية للكاتب يوسف السباعى متعددة المراحل، قد بدأ حياته فى منتصف الأربعينيات من خلال استحضاره مجموعة من الرسومات الصحفية العالمية، وكان يستلهم من كل واحدة منها قصة جديدة، ثم يجمع هذه القصص فى كتب، وبعد أن قام زملاؤه الضباط بثورة يوليو وقف يناصرهم بأدبه وراح يتابع منجزاتهم أولًا بأول، كانت البداية مع رواية «رد قلبى» التى حكى فيها أن اللواء محمد نجيب هو قائد الثورة، وعندما حولت السينما هذه الرواية إلى فيلم تم حذف كل ما يخص محمد نجيب تمامًا، وهكذا جاء الفيلم مختلفًا بشكل ملحوظ عن الرواية، وفيما بعد كتب السباعى روايات عن بناء السد العالى، وأيضًا رواية «جفت الدموع» عن الوحدة السياسية بين مصر وسوريا، أى أنه فى أثناء الوحدة نشر الكاتب روايته التى تدر أحداثها بين دمشق والقاهرة حول علاقة بين صحفى مصرى مرموق يدعى سامى وبين مطربة سورية تأتى للتعرف عليه فى مكتبه، أى أن الأحداث تناسب ما عشناه فى سنوات الوحدة، وفى عام 1975 قام حلمى رفلة بتحويل الرواية إلى فيلم كتبه معه الأديب صالح مرسى، وغير الاثنان الكثير من الأحداث، أولها أنه تم إلغاء مسألة الوحدة تمامًا فى الفيلم، كما أن صالح مرسى هو الآخر كتب روايات سياسية وأفلامًا عن الأحداث السياسية التى شهدتها البلاد مثل فيلم «ثورة اليمن» الذى أخرجه عاطف سالم عام 1967. وفى رواية «جفت الدموع» فإن هدى عاشت مع أبيها بالتبنى، الرجل المرموق، الذى تحول حبه مع الأيام إلى مشاعر عاطفية، وقد تعمد النص الأدبى أن يكتب عن الأماكن بدل تحديدها، كما أن الحوار كان مكتوبًا بلغة الصحافة العربية، وكل هذا اختفى فى الفيلم الذى قامت ببطولته نجاة الصغيرة فى دور هدى، ومحمود ياسين فى دور سامى، وعلى كل وبعيدًا عن الوحدة فإن يوسف السباعى كتب عن المشاكل الصحفية التى نعرفها بشكلها التقليدى، مثل الضغط النفسى الذى يمارسه محرر فنى على الفنان أو هدى من أجل تحقيق مكاسب مهنية، وفى الفيلم تمت إضافة انتخابات النقابة، لتسخين المنافسة بين اثنين من الزملاء، حيث يقوم المنافس بمحاولة لتحقير مسيرة خصمه سامى، باعتبار أنه متزوج، وأن هناك علاقة مفتوحة بين الصحفى والمطربة، وينشغل الفيلم بهذه القضية، وتصبح مساءلة محاولة هروب الحبيبين للبلاد الأوروبية لاقتناص الحب، هو الموضوع الأصلى فى الفيلم، وما دام أننا أمام نجاة الصغيرة فيجب أن تغنى المطربة لحبيبها مجموعة من الأغنيات فى آخر أفلامها على الإطلاق، كى تزداد السطحية التى يتميز بها النص الأدبى، ويصبح الفيلم أغانى واعترافات حب ومكائد بين الزملاء، وبالنهاية سوف ينتصر سامى كنقيب للصحفيين، وتختفى هدى من حياة حبيبها الذى عليه أن يعود إلى أسرته، يعنى كلنا كنا أمام نزوة أتت بمنصب النقيب إلى هذا العاشق.
هذا الفيلم من أعمال المنتج والمخرج حلمى رفلة، وهو فيلم ضعيف القيمة، ولكننا توقفنا عنده لأن هذا العمل كان يذاع خلال سبتمبر الماضى فى الإذاعة المصرية مرتين يوميًا فى مسلسل قام ببطولته صلاح ذوالفقار وشادية، فى آخر تعاون لهما، وأذكر أن حوارًا دار بين الممثلة وبين أحد الصحفيين الذى كان يحدثها أنها تبادلت مع زوجها السابق صلاح ذو الفقار عبارات حب كثيرة جدًا فى المسلسل، وأذكر أننى استمعت إلى شادية ترد بكل برود أن مثل هذه الجمل كانت بعد الانفصال شديدة البرودة، فاقدة الحرارة، ليس لها أى معنى، وهذا يبين لنا جزءًا من التاريخ الفنى لفنانين يقيمون الدنيا عندما يتزوجون وتتجه إليهم كاميرات الأضواء، ويزيد الطلب عليهم بشكل ملحوظ، حيث عمل الاثنان معًا فى العديد من الأفلام التى نحفظها عن ظهر قلب كما قاما معًا فى أول فترة الانفصال ببطولة مسلسلات إذاعية تعمدت أن يتبادل الأبطال فيها درجات الحب، التى جاءت حسب من ينطق بها بكل هذا البرود، ومنها مسلسل «جفت الدموع» ومن بعده أو ربما من قبله مسلسل «صابرين».