بنيامين نتنياهو على حق ــ لا مجال للمقارنة بين الإرهاب الفلسطينى والإرهاب اليهودى. وهذه المقارنة باطلة لثلاثة أسباب أساسية. أولا؛ يشكل الإرهاب الفلسطينى مكونا متطرفا وغير شرعى لمقاومة شرعية ومحقة للشعب الفلسطينى ضد مشروعى الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين. فى المقابل، يشكل الإرهاب اليهودى مكونا متطرفا وغير شرعى ضمن مجمل العنف الذى تستخدمه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى إطار مشروعى الاحتلال والاستيطان غير الشرعيين وغير المحقين.
ثانيا؛ إن محاولات قتل يهود، بما فى ذلك الهجوم على مواطنين أبرياء من كبار السن والأطفال والمصلين، يقوم بها إرهابيون فلسطينيون مع استعداد واضح فى أغلب الأحيان للموت فى الموقع ودفع ثمن أفعالهم. ومحظور بتاتا تشجيع هذه الأعمال الإجرامية، ولا مجال للإعجاب بها. لكن ليس من قبيل التشجيع أو الإعجاب أن نعترف بأنه إلى جانب القدر الكبير من اليأس، يتطلب الاندفاع بسكين فى مواجهة جنود مسلحين بسلاح نارى قدرا ليس أقل من الشجاعة.
وعلى العكس من ذلك، فإن الإرهاب اليهودى، مثل قتل عائلة دوابشة فى دوما، إرهاب جبان. ليس هناك طريقة أخرى لوصف أعمال من يتسللون فى ظلام الليل إلى قرية واقعة تحت الاحتلال، ويشعلون النار فى منزل بسكانه النائمين فى أسرتهم، ويلوذون بالفرار بسرعة نحو إخوانهم فى الاحتلال [من المستوطنين]، حيث يكون فى انتظارهم فى أسوأ الأحوال مفاجأة غير سارة فى أقبية الشاباك، نهايتها هالة قداسة دون أن تكون هناك ضرورة لموت قديسين.
***
ثالثا؛ الإرهاب الفلسطينى يعرقل مجددا تحقيق الهدف السياسى للزعامة الحالية المعتدلة للسلطة الفلسطينية: إنهاء الاحتلال وتقسيم عادل للسيادة فى البلد بين شعبين. وكما أثبتت تجربة الماضى، فإن المقاومة العنيفة للاحتلال ليست قادرة على كسر إرادة الإسرائيليين. وعلى عكس الوهم اليائس الذى لا يزال يسيطر على أجزاء من الحركة الوطنية الفلسطينية، فإن الصهيونية لا تقوم فقط على أسس كولونيالية.
وفى مقابل ذلك، يخدم الإرهاب اليهودى جيدا الهدف السياسى للزعامة الإسرائيلية الحالية، ألا وهو المحافظة على الاحتلال وتعميقه. وفى الواقع، فعلى خلفية الفظاعة التى حدثت فى دوما، تبدو حكومة اليمين المتطرف لبنيامين نتنياهو ونفتالى بنيت وإيليت شاكيد، تجسيدا للاعتدال عندما تحرص على أن تقوم بواجب إدانة الحدث، بينما يجرى تصوير نظام الاحتلال الممأسس الذى يحتكر لنفسه استخدام العنف حيال السكان الخاضعين للاحتلال، على أنه قمة التمدن.
لكن برغم هذه الاختلافات بين الإرهابين اليهودى والفلسطينى، يمكن ملاحظة تشابه بين الظاهرتين من ناحية واحدة، هى أن القضاء على كل منهما يمكن أن يقرب النهاية المنتظرة للمشروع المشيحاني ــ الكولونيالى الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة.
وما أن ينتهى الإرهاب اليهودى، فلن يكون باستطاعة العنصرية فى حكومات إسرائيل أن ترسم لنفسها صورة مزيفة بوصفها تحارب العنصرية اليهودية. وكلما ضعفت موجة الإرهاب الفلسطينى، توجهت الجهود مجددا وبقوة أكبر نحو أفق المعركة الدبلوماسية غير العنيفة، مثل حركة المقاطعة والعقوبات من دون هوادة ضد الاحتلال. وهذا هو سبيل النضال الوحيد الذى بواسطته يمكن أن نهزم نظامى الاحتلال والاستيطان.
ديمترى شومسكى
محلل سياسىهآرتسنشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية