راية تجمع الناس - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 17 أبريل 2025 8:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

راية تجمع الناس

نشر فى : الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 6:45 م

إذا كان ثمة أمل فى مواجهة التهديدات التى تحيط بالمنطقة العربية، فإن ذلك الأمل معقود على عامل التكاتف بين دول المنطقة. ولذلك أستغرب من بعض الآراء التى تظن أن أى دولة تستطيع النجاة بمفردها، ومن التحليلات التى تتبارى فى بث روح التفرقة، التى تتعامل مع المخططات الإسرائيلية ــ الأمريكية على أنها قضاء من الله لا راد له. ولا أدرى لماذا تغيب عنا كلمات بعض حكماء الأمة مثل كلمة شيخ الأزهر فى مؤتمر الحوار الإسلامى ــ الإسلامى فى البحرين فى شهر فبراير الماضى والتى قال فيها «نتعاون فيما اتَّفقنا فيه، ويَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه»، والتى دعا فيها لإنشاء «دستور أهل الأمة» ليحفز الدول على نبذ الفرقة وإعلاء المصالح المشتركة للتصدى لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة وما بعدها.
• • •
أعرف أن الكثير من الناس، لم يعد يؤمن لا بقومية ولا بعروبة، أو أى فكرة أخرى جامعة، ولكن فلنتذكر أن أى اصطفاف لقوى المنطقة لابد له من راية تجمع البلاد والعباد وتستحفز الهمم. والراية علامة على المشروع السياسى الذى هو أكبر من مشروع تحسين ظروف الحياة، وهى برهان على قيم المنطقة وموروثاتها الحضارية التى تعبر عن وجدان شعوب المنطقة وفى القلب منها حب الأوطان، وهى أيضا مؤشر على اتجاه المستقبل وما يحمله من آمال، مع الوعى بالتحديات على طول الطريق وأولها مشروع «إسرائيل الكبرى» الذى يريد المرجفون فى المدينة صرف الأنظار عنه.
أعرف أيضا أن الكثير من الناس ينتقدون قادة المنطقة، ويتهمونهم فى أحسن تقدير بالعجز عن مواجهة التحديات. ولكن لنأخذ فى الاعتبار أن تاريخ المنطقة، منذ غزو العراق للكويت، مرورا بالربيع العربى، ووصولا إلى ما بعد طوفان الأقصى، ممتلئ بقادة أخطأوا فى حساباتهم حتى انهدمت أنظمتهم بضغط من الخارج، وتجاوب من الداخل. ولذلك، من المنطقى أو البديهى أن ينتهج القادة سياسات تحافظ على شرعيتهم لاستمرار الأنظمة، لأن الخطأ فى الحسابات لا ينزع الحكم فقط، ولكن يقوض استقرار الدول ويدفعها للانزلاق إلى الفوضى. والآن بعد تجدد القتال فى غزة، وتوسع إسرائيل فى استهداف سوريا، مع محاولاتها فرض شرق أوسط جديد فى مشرق العالم العربى، على غرار ما سبق وفعلته صنيعتها داعش فى نفس المكان، كل هذه التطورات تضع القادة أمام مسئولية تاريخية أكبر.
المطلوب هو التكاتف لمواجهة هذا الخطر الداهم، بدءا من تشجيع الدول الموقعة على الاتفاق الإبراهيمى على الانسحاب منه، وتعليق أى عملية تطبيع. ثم طرح البديل الذى يعلى من مصالح المنطقة، فعلى سبيل المثال يمكن الضغط لاستبدال مسار طريق الهند أوروبا ليتحول عن إسرائيل، ويسلك طريق الأردن ــ لبنان أو الأردن ــ سوريا.
• • •
لاحظ أن طوفان الأحداث، وسرعة جريانها، وفيض المعلومات، على افتراض صحتها، كلها عوامل تؤثر على وعى الناس الذين يشاهدون ما يجرى لحظيا. نضيف إلى ذلك القنوات الإعلامية التى تتناول يوميا الشأن الجارى. ومنها ما هو فاسد يريد أن يسوّد عيشة الناس، ويطفح بما يحمل من كره وبغض، ويريد إما معاقبة الناس على أنهم رفضوا يوما ما مشروع الإخوان، أو تصفية حسابات سياسية ضيقة للغاية لأن الناس لا تختار ما تختاره تلك القنوات. ومنها ما هو نافع، يعمل على توعية الناس بما يجرى، ويستند إلى مصادر موثقة، وتحليلات رصينة، وأخص بالذكر هنا، قنوات على اليوتيوب، مثل قناة سمرى لمحمد ممدوح، وقناة لطفى زكريا، وقناة المواطن سعيد، وهيثم سليمان وغيرها.
هذه القنوات تعرف كيف تشتبك وتنتقد السرديات الإسرائيلية ــ الأمريكية، وتكشفها وتعريها، وتطرح سرديات أخرى بديلة، نابعة من الموروثات الثقافية، والوطنية، التى يطمئن لها الناس. ومع هذا لا يسلم الناس من نقد المزايدين الذين يرفضون أى موقف فيه دفاع عن غزة، ليس من باب الانحياز لإسرائيل، ولكن بناء على ما كان فى فترة المواجهة مع الإرهاب فى سيناء.
• • •
أعرف أن الهوة واسعة بين ما يتمنى الناس رؤيته يحدث فى غزة، وفى عموم فلسطين، وبين ما يحدث فيها بالفعل الآن. وتعمل إسرائيل ومواليها بالمنطقة على توسيع هذه الهوة، بما يضمن اختلال شرعية الأنظمة بالداخل مع زيادة الضغوط الخارجية، لاسيما فى ظل إدارة ترامب التى لا تقل شراسة عن إدارة بايدن، والتى تعمل على زيادة الحشد العسكرى الأمريكى بالمنطقة، حيث زاد عدد القاذفات الاستراتيجية بى ــ 52 الشبحية فى جزيرة دييجو جارسيا بالمحيط الهندى، القريبة من الخليج العربى، وتنقل بطاريات صواريخ «باتريوت» من كوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط مؤقتًا. كما ترسل حاملة الطائرات «كارل فينسون» لتنضم إلى حاملة الطائرات «هارى إس. ترومان» بالمنطقة من أجل «مواصلة تعزيز الاستقرار الإقليمى، وردع أى عدوان، وحماية التدفق الحرّ للتجارة فى المنطقة» بحسب بيان البنتاجون. ورغم أن هذا الحشد أقل من الحشد الذى أتت به إدارة بايدن للمنطقة، إلا أن عنصر التهور هو العنصر الإضافى الخطير فى المعادلة. وبالرغم أن إدارة ترامب تستعمل هذا الحشد فى الضغط على إيران من أجل الوصول لاتفاق نووى جديد، فمن السهل جدا إقناع ترامب بالمضى قدما لأبعد من ذلك، لاسيما أثناء لقائه الأخير مع نتنياهو.
• • •
فى ظل هذا المشهد الذى تتشابك فيها العوامل الداخلية، والخارجية، لا بديل عن الاصطفاف الوطنى، وتكاتف الأنظمة لدرء مشروع الشرق الأوسط الذى يعمل نتنياهو وحكومة اليمين على تنفيذه بداية من التهجير من غزة، مرورا بإنشاء ممر ديفيد فى جنوب سوريا حتى الفرات، وصولا إلى ضرب إيران لتدمير برنامجها النووى. وإذا لم يكن فى قدرة دول المنطقة العودة لأى مشروع سبق واستثار همتها، فإن المنطقة مطالبة باختراع ذلك المشروع السياسى الجامع حتى يتسنى للناس الالتفاف حول راية تحفظ الأوطان، وتسقط مشروع إسرائيل الكبرى الذى يتم تنفيذه أمام أعيننا وبحضورنا ونحن نشاهد.
ولمن يظن أن إدارة ترامب مشغولة بالاقتصاد ولا تريد إشعال الحروب، من فضلك جاوب على أى من الأسئلة التالية: من الذى أعلن شرعية ضم الجولان لإسرائيل؟ ومن الذى نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة باعتبارها عاصمة إسرائيل؟ ومن الذى روج لاتفاقيات السلام الإبراهيمى بدون أى فائدة للقضية الفلسطينية؟ وهل أوقفت أزمة الكورونا أى من هذه السياسات؟
كلمة أخيرة، ليس بالضرورة مواجهة مشروع دينى مثل مشروع إسرائيل الكبرى بمشروع دينى مضاد! ولكن بدون ما دعا إليه شيخ الأزهر من تدشين «اتحاد إسلامى يفتح قنوات الاتصال بين كل مكونات الأمة الإسلامية، دون إقصاء لأى طرف من الأطراف، مع احترام شئون الدول وحدودها وسيادتها وأراضيها»، فإننا نفقد أو نتنازل عن مقومات القوة والمنعة التى لدينا. لذلك نعيد التأكيد على أن استراتيجية النصر ليست بالضرورة عن طريق المواجهة العسكرية، ولكن يأتى قبلها التكاتف والاصطفاف خلف راية تجمع قوى المنطقة.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات