مع كثرة الاختلافات فى وجهات النظر حول ما يجرى فى فلسطين المحتلة، وعلى الأخص فى غزة المبتلاة بالبؤس والمستهدفة بألف حجة مصطنعة، لا بد من تذكير الكل، وعلى الأخص شابات وشباب الأمة، بالمبادئ والممارسات والضوابط التى يجب أن تحكم معارك الاختلافات تلك. ونحن هنا نشير على الأخص إلى ما يجرى عبر شبكات التواصل الاجتماعى الإلكترونية وغيرها، وإلى ما بين أنظمة الحكم العربية من خلافات.
ومن البداية دعنا نشدد على الأهمية القصوى لأن تحكم تلك النقاشات عددا من الفضائل، بعيدا بقدر ما أمكن عن أضدادها من الرذائل. ولعل روح وأعماق تلك الفضائل تتمثل فى الآية القرآنية الكريمة: «وجادلهم بالتى هى أحسن، فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم». وليكن مدخلنا للممارسة الصحيحة ما أكده البعض من أن التأدب هو مصدر الفضائل الرئيسى، والإخلاص هو مبدأها الأساسى، والتعقل والاحتراس هو الشرط الذى يجب أن يسبق ممارستها.
فالتعقل والاحتراس عند بحث وقائع بالغة التعقيد، مثل الذى يجرى فى فلسطين، بحيث ينتبه إلى محدوديات وخصوصيات الواقع وموضوع النقاش ولا يتيه فى تبسيط ما تتطلبه المثاليات والعموميات أحيانا وفى الإصرار على الأخذ بها مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن، هذا النوع من الاحتراس، الذى قد يسميه البعض بالنية الحسنة، هو ضرورى أحيانا، وإلا فإن النتيجة قد تكون كارثية. بدون هذا التعقل والاحتراس وأخذ الحيطة فإن فضائل هامة مثل الشجاعة والعدالة قد تتيه فى التطبيقات الخاطئة والنتائج الكارثية.
لكن يقابل ذلك، وبنفس الأهمية، عدم السماح للحيطة والحذر أن يؤدى إلى الجبن وضعف الإرادة والتعايش مع الذل الذى يمس كرامة الإنسان والشعوب.
نبرز هذه الجدلية فيما بين الحذر وما بين الجبن وقلة الحيلة وذلك بمناسبة اجتماع القمة العربى فى الرياض بعد بضعة أيام، والذى نرجو أن يعقبه اجتماع قمة إسلامى فى الحال وذلك قبل أن ينعقد اجتماع باريس الذى دعا إليه الرئيس ماكرون والذى سيحاول التكتل الاستعمارى الأمريكى ــ الأوروبى أن يجعله مظهريا فارغا من الحكم الأخلاقى على الجلاد الصهيونى ومتجنبا الغوص فى لب الموضوع الفلسطينى كاحتلال واستعمار وتهجير وإذلال لا يتوقف.
إن الملايين من البشر الذين ملأوا شوارع الكرة الأرضية دعما لحقوق الشعب الفلسطينى واستنكارا لمذبحة غزة الهمجية سينتظرون إذن من مؤتمرى القمة العربى والإسلامى أكثر من بيانات الاستنكار والمطالبة بإحلال السلام، الذى على أى حال يرفضه الكيان الصهيونى بنبرات عنصرية نازية لم يعرف مثلها العالم حتى فى أحلك عصوره، وإنما سيطالبهم بخطوات أفعال سياسية وأمنية واقتصادية توقف الكيان الصهيونى عند حده وتعزله عزلا تاما عن محيطه العربى والإسلامى، وخطوات تنبه أمريكا وبعض دول أوروبا التابعة لها باستجابة ذليلة ما كانت تخطر على البال، تنبههم إلى الخطوط الحمر التى لن يسمح لهم بتخطيها وإلى أن كرامة الأمتين العربية والإسلامية قد أصبحتا فى الميزان هذه المرة، ولذلك فإن تجييشهم الأعمى لقدراتهم العسكرية ولنفوذهم السياسى ولإعلامهم المنحاز فى سبيل دعم الهجمة الصهيونية الحيوانية على أهل غزة لن يسمح لها أن تمر هذه المرة بدون ثمن يدفعه هذا التكتل الاستعمارى الغربى، الآن وفى المستقبل المنظور.
لذلك فسيكون من الحصافة، وضمن فضيلة الحذر والتأنى المدروس، الاتفاق على أن تكون القمتان مجموعة مفكرين واستراتيجيين وناشطين لوضع استراتيجية شاملة لتبنيها من قبل مؤتمرى القمة مستقبلا وتنفيذها خطوة خطوة.
المطلوب من مؤتمرى القمة أن يشعروا الملايين من مواطنيهم والآلاف من أطفال غزة فى قبورهم بأن ما بعد 7 أكتوبر سيكون غير ما قبل 7 أكتوبر، وأن ذلك لن يكون تحت سقف الجبن والذلة والتسليم بما تفرضه أمريكا وحلفاؤها الصهاينة والأوروبيون، وإنما سيكون تحت الإرادة الحرة المستقلة، الحذرة والمتأنية ولكن أيضا الشجاعة الملتزمة أخلاقيا وتضامنيا مع ثوابت العروبة وثوابت الإسلام.