تدعى الولايات المتحدة أنها تريد التنافس من أجل الفوز فى السباق مع الصين، وأن واشنطن لا تسعى إلى الصراع. ولكن فى الواقع، فإن ما يسمى «المنافسة» من قبل الولايات المتحدة تعتبره الصين «احتواء شاملا»، وتحذر من خسارة كل الأطراف مما يبدو أنها معادلة صفرية لن يتمكن طرف من حسمها كما يريد.
ووسعت الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة حملتها على صناعة أشباه الموصلات فى الصين، وتتأهب لفرض المزيد من القيود على منصة تيك توك، ومن ناحية أخرى تنشغل إدارة الرئيس جو بايدن بتوسيع وتنشيط تحالفاتها فى آسيا. وبالإضافة إلى المجموعة الرباعية ــ كواد ــ مع أستراليا واليابان والهند، أسست واشنطن تحالفا ثلاثيا ــ أوكوس ــ مع بريطانيا وأستراليا، فيما تنسق بين التجمعين الهادفين لاحتواء الصعود الصينى فى منطقة المحيطين الهندى والهادى. كما توصلت واشنطن مؤخرا لاتفاقية لتوسيع استخدام القواعد العسكرية فى الفلبين.
ومن جانبه، اتخذ مجلس النواب خطوة غير مسبوقة بتشكيل لجنة جديدة فى مجلس النواب تركز حصريا على التحدى الاستراتيجى الذى تمثله الصين. ويستند عمل اللجنة إلى فرضية مفادها أنه بعد سنوات من محاولة دمج الصين سلميا فى النظام العالمى بوصفها منافسا وليس عدوا، ينبغى للولايات المتحدة التحول إلى موقف أكثر صرامة، إذ إن الجيل الجديد من القادة الصينيين يحاول تفكيك النظام العالمى الحالى والقانون الدولى.
وتعمدت قيادة مجلس النواب ذات الأغلبية من الحزب الجمهورى اختيار اسم «لجنة الحزب الشيوعى الصينى»، كى تبرز تمييزها بين الشعب الصينى والحزب الشيوعى الحاكم.
●●●
نادرا ما يختار كبار القادة فى الصين دولا أو قادة آخرين بالاسم للنقد، ويفضلون تركها ضمنية أو الإشارة بشكل غامض إلى «بعض البلدان» أو «دول معينة». وكرر الرئيس الصينى شى جين بينج اسم الولايات المتحدة فى تصريحات خلال الجلسة السنوية للبرلمان الصينى هذا الأسبوع قائلا إن «الولايات المتحدة تقود الدول الغربية فى محاولة لتطويق الصين وقمعها».
وأعقب هذا التعليق الصريح النادر وابل من الانتقادات الموجهة مباشرة إلى واشنطن من وزير الخارجية الصينى الجديد والسفير السابق لدى الولايات المتحدة تشين قانج. وقال خبراء إن الهجوم اللفظى قد يشير إلى مستوى جديد من الاستياء من بكين تجاه الولايات المتحدة، وقد ينذر بإجراءات سياسية جديدة.
ووجه الوزير تشين انتقادات مباشرة إلى واشنطن بسبب سياساتها بشأن الصين وتايوان ومنطقة المحيطين الهندى والهادئ وأوكرانيا، على سبيل المثال لا الحصر. حتى إنه انتقد السلسلة الأخيرة من رفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والتى تهدف إلى كبح التضخم فى الداخل الأمريكى، قائلا إن تداعيات هذه الخطوة تعبر الحدود الأمريكية لتخلق أزمات ديون فى بلدان أخرى.
كما انتقد تشين الولايات المتحدة بالنفاق لحديثها عن احترام السيادة والسلامة الإقليمية عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، ولكن ليس فى حالة تايوان، وقال «لماذا تطلب الولايات المتحدة من الصين عدم تقديم أسلحة لروسيا بينما تستمر فى بيع الأسلحة إلى تايوان؟».
وقال: «إذا لم تضغط الولايات المتحدة على المكابح، واستمرت فى تسريع المسار الخطأ، سيكون هناك بالتأكيد صراع ومواجهة».
●●●
عرفت علاقات واشنطن وبكين تدهورا كبيرا خلال الأسابيع الماضية إثر اكتشاف بالون التجسس الصينى فوق الأراضى الأمريكية، واتخاذ بايدن قرارا بإسقاطه. وأغضبت الحادثة الدولتين، وقرر وزير الخارجية أنتونى بلينكن على إثرها إلغاء زيارة طال انتظارها لبكين هدفت للعمل على تخفيف اللغة العدائية فى الدولتين تجاه الطرف الآخر.
فى الوقت ذاته تستمر واشنطن فى تحذيراتها لبكين من مغبة الإقدام على إرسال مساعدة عسكرية لروسيا لدعم حربها مع أوكرانيا.
ويرى بعض الخبراء أن الدولتين دخلتا بالفعل حربا باردة لن تنتهى قريبا، فى حين يعارض البعض الآخر هذا الطرح فى ظل العلاقات الضخمة والمعقدة التى تجمع الدولتين، وعلى رأسها تبادل تجارى بلغ قيمته 691 مليار دولار عام 2022، منها 537 مليار دولار صادرات صينية مقابل 154 مليار دولار صادرات أمريكية.
إلا أنه فى الوقت ذاته، فقد أعلنت الصين رفع الميزانية العسكرية الجديدة لعام 2023 بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضى، هو ما يترتب عليه ضغوط داخل الكونجرس لرفع ميزانية البنتاجون التى وصلت العام الماضى لما يقرب من 900 مليار دولار.
يقرب كل ما سبق من الوقوع فيما يعرف بـفخ ثيوسيديدز (Thucydides Trap) الذى يشير إلى حالة تهديد دولة صاعدة لهيمنة وتحكم دولة قائدة فى الساحة الدولية، وتنعكس هذه الحالة التاريخية اليوم على ما حدث من نمو كبير فى الاقتصاد الصينى خلال العقود الأخيرة، من هنا خرجت عشرات الدراسات المبشرة بحتمية الصدام المستقبلى بين الصين والولايات المتحدة.
وخلال كلمته أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضى، قال الرئيس بايدن إن «الولايات المتحدة سوف تنافس، وستنافس بقوة، وتقود بقيمنا وقوتنا. سوف ندافع عن حلفائنا وأصدقائنا، ونعارض محاولات الدول الأقوى للهيمنة على الدول الأضعف، سواء من خلال تغيير حدود الأراضى بالقوة، أو ممارسة الإكراه الاقتصادى، أو الاستغلال التكنولوجى، أو التضليل الإعلامى. لكننا لا نسعى ــ وسأقولها مرة ثانية ــ لا نسعى إلى حرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى كتل جامدة».
ومن المؤكد أن لا واشنطن ولا بكين تسعى إلى صراع عسكرى مع الآخر حيث ستكون نتائجه بلا شك كارثية على العالم كله. لكن تزايد المخاوف بشأن سوء الحسابات والتوقعات السياسية قد يؤدى لارتكاب أخطاء كارثية تؤدى لخسارة الطرفين.