هل هى صدفة أن تلجأ أكثر من دولة عربية فى وقت واحد إلى اتخاذ إجراءات تقشفية وترفع نسب الضرائب وكذلك أسعار العديد من السلع والخدمات خصوصا الوقود، وبعدها تنفجر احتجاجات جماهيرية بدرجة أو بأخرى يصحبها سقوط ضحايا ومصابين؟!
اللافت للنظر أن الإمارات والسعودية قررتا تطبيق ضريبة القيمة المضافة على غالبية السلع والخدمات بنسبة ٥٪.
وإضافة للضريبة قررت السعودية زيادة أسعار الوقود وتقليص بعض المخصصات المالية للأمراء وكبار رجال الدولة، خصوصا ما يتعلق بدفع فواتير الكهرباء والماء.
بعدها مباشرة فوجئنا بأغرب مظاهرة فى تاريخ السعودية وربما الخليج، وهى تجمهر ١١ أميرا فى قصر الحكم بالرياض احتجاجا على هذا الإجراء، وقضايا أخرى، أما الإجراء الأكثر غرابة فهو أن كتيبة «السيف الأجرب» ألقت القبض عليهم ووضعتهم فى سجن الحائر!!.
صانع القرار السعودى كان حكيما إلى حد كبير حينما قرر تقديم حزمة دعم لمن سيتأثرون بهذه الإجراءات قدرها ٥٢ مليار ريال، علما بأن حصيلة ضريبة القيمة المضافة سنويا تبلغ نحو ٥٥ مليار ريال.
فى البحرين المجاورة تم رفع أسعار الوقود يوم الإثنين الماضى «٨ يناير» لتحسين مالية الدولة حتى يصبح أكثر اقترابا من الأسعار العالمية، وزاد سعر البنزين أوكتين ٩١ من ١٢٥ فلسا للتر إلى ١٤٠ فلسا «٣٧ سنتا أمريكيا».
وفى اليوم الثالث من يناير قررت الحكومة الأردنية رفع أسعار البنزين بنوعيه ومادة الديزل لكنها أبقت على سعر أسطوانات الغاز كما هى عند ٧ دنانير.
وفى نفس اليوم أيضا قررت قطر رفع أسعار الوقود بنسبة ٣٪ لترتفع النسبة إلى ١٥٪ خلال أقل من عام.
فى نفس التوقيت أيضا قررت الحكومة السودانية تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية، حيث هبطت قيمته من أقل من سبع جنيهات إلى ١٨ جنيها للدولار، كما قررت إلغاء الدعم عن الخبز الأمر الذى رفع سعره إلى الضعف. نتيجة لهذا الأمر تظاهر آلاف السوادنيين فى العديد من المدن احتجاجا، وهو ما أدى إلى سقوط قتيل فى منطقة الجنينة جنوب غرب السودان.
الأمر نفسه تكرر فى تونس التى أقرت حكومتها إجراءات لتحسين المالية العامة، وخفض عجز الموازنة، طبقا لما يطالب به صندوق النقد الدولى، الأمر الذى أدى إلى زيادة العديد من الأسعار، وخرجت مظاهرات فى العديد من المدن التونسية، أسفرت عن سقوط قتيلين وإصابة الكثيرين، إضافة إلى أعمال تخريب وسرقة، وألقت السلطات القبض على العشرات.
وأمس الأول الثلاثاء تظاهر مئات الأطباء فى الجزائر للمطالبة بإلغاء الخدمتين المدنية والعسكرية، إضافة إلى تململ فى صفوف قطاعى المعلمين والنقل.
مرة أخرى نسأل: هل قرار التقشف ورفع الأسعار مجرد صدفة، أم أن الاقتصاد العربى يتراجع للخلف كثيرا؟!
بالطبع لا يمكن وضع كل الاقتصادات العربية فى سلة واحدة، ولا يمكن مثلا المقارنة بين الاقتصاد الإماراتى أو الكويتى والاقتصاد الصومالى أو الموريتانى. لكن المؤكد أن المتاعب تواجه الجميع، ليس فقط بسبب تراجع أسعار البترول، طوال السنوات الثلاث الماضية، ولكن وهذا هو الأهم بسبب الفاتورة الباهظة التى دفعتها وتدفعها غالبية بلدان الخليج بسبب حروبها وصراعاتها فى المنطقة من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن، نهاية بالصراع المفتوح مع إيران.
الغرب خصوصا الولايات المتحدة يقوم «بحلب واستنزاف » دول المنطقة أولا بأول، وعلنا ومن دون خجل أو كسوف كما كان يحدث فى الماضى.
ترامب يتباهى بذلك، لكن هناك دولا مضطرة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية صعبة لأن الخلل فى اقتصاداتها أكبر مما يمكن تخيله، إضافة إلى الاستبداد الذى يمنع الإصلاح ويقود إلى زيادة وترسخ الفساد الذى يلتهم أى إيرادات أو تحسنات طفيفة هنا وهناك.
أظن أن الحكومة المصرية «تزغرد» فى سرها الآن، لأنها سبقت الجميع بهذه الوصفة المؤلمة جدا منذ ٣ نوفمبر ٢٠١٦ حينما عومت العملة ورفعت أسعار الوقود، ومرت من هذا الاختبار القاسى بأقل الأضرار حتى هذه اللحظة!.