اخلع عقلك وادخل!! - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اخلع عقلك وادخل!!

نشر فى : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 10 يوليه 2016 - 9:25 م
تخلوا هم عن عقولهم، ارتضوا أن تبقى الغرائز هى سيدة الموقف وكل اللحظات.. رغم الجامعات المتقدمة والمدارس الخاصة مرتفعة التكلفة والأعباء الأخرى التى يقدمها الأهل خدمة لأن يستطيع أبناؤهم أن يحملوا الشهادات العليا وبذلك تكون فرصهم فى الحياة والعمل أفضل، تبقى المسألة الأساسية فى وسط فيضان الفوضى هذا أن العقل أصبح هو المرجع الأخير للاحتكام بل هو المركون دوما أو المنسى...لا أحد يحتكم إلى العقل والمنطق لذا أصبحنا قادرين على تكرار الكثير من الخرافات التى زينها البعض ووضعها فى منصة الحقائق رغم افتقارها لأى شىء من الحقيقة.

العقل الذى تم تعطيله جدا فى مقابل انتشار الغرائز والتسيس الرخيص هو كارثتنا الكبرى فى هذه المنطقة المنكوبة عندما بدأت تتساقط الأوطان واحدا تلو الآخر فى مهب رياح التغيير تحت مسميات عدة. وأصبح مصدر المعلومة بل والثقافة هو نشرة أخبار مقتضبة ومسيسة من هذا الطرف أو ذاك حتى انتفت الحقيقة وأصبح البحث عنها كالفاقد لإبرة فى كومة من القش!!! وهى نفسها أى تلك البرامج الاخبارية أو الثقافية أو الاجتماعية المسطحة كانت مسئولة عن التسطيح الممنهج لجماعات بأكملها هى الأخرى تخلت عن عقلها وارتأت أن الاستسهال هو فى اتباع العاطفة أو الغريزة أو الخط السياسى حتى ولو لم يكن هناك خط أصلا واضح وعلنى.

***

بعضهم ارتَهَن العقول وعاد إلى سياسة التلقين الممنهج ولكن عبر أشكال حضارية وحداثية جدا توهم المتلقى على أنه قد دخل العالم الجديد وأصبح ضمن الأمم المتقدمة التى تتحلى بديمقراطية مرسومة بأشكال مختلفة.. ديمقراطية بإمكانها أن تعطى الصلاحية للدخول فى حروب مدمرة قد كانت رغم الاحتجاجات التى ملأت الشوارع ألا نسمع اليوم عن محاكمة قريبة لتونى بلير الذى تورط فى احتلال العراق تماشيا مع مواقف الدول العظمى؟ ألم يخرج أكثر من مليون يومها فى برد لندن اللاسع للتنديد بذلك التدخل.. نعم يومها كانت التسمية تدخل حسب الإعلام الحر جدا!!! ولم يكن أحد يتجرأ على ذكر تعبير الاحتلال الجديد الذى كان هو.

اختفى العقل من هنا.. تبعثر المنطق بين صرخات التكبير النافرة والرافضة للآخر، عدنا نحتكم إلى آلاف السنين بل إلى المقابر لتكون المرجعية هى.. أليست هذه ثقافة القبور كما سمَاها البعض وأى ثقافة هى بل تلك التى ترفض الاحتكام إلى العقل وتسير الجماعات كالقطعان مهما ارتفعت نسبة تعليمهم وتسميات جامعاتهم ومدارسهم الخاصة جدا والمقتصرة على القادرين جدا جدا أيضا لأنه وحتى التعليم لم يعد حرا وديمقراطيا ولم يعد يحتكم إلى العقل بل يعتمد على الدرجات فى الحفظ.

الجميع قد ارتضى ربما بإرادته أو بشكل غير إرادى أن يلغى عقله ويسير ويعمل ويتحرك فى أيامه كما هى دون أن يكون للعقل أى دور حتى امتلأت كل وسائل نقل الأخبار بالكثير من المعلومات المغلوطة إن لم يكن الأكاذيب العلنية والتى يعيد ترددها من استسلموا لحياة دون عقل أو من قرروا أن يتخلوا عن عقولهم دون رجعة ويرضخوا لمنطق المعقول والمطلوب والموجود والمسيطر والمهيمن!!

***

أن تلقى عقلك هو أن تعود لتتساءل هل الأرض كروية وما هو أصل الإنسان وكيف خلقت الطبيعة؟ وترتضى بالإجابات المعلبة الجاهزة والمسطحة للأمور بل وتعتمد عليها فى رسم مسارك فى الحياة ودروبك المتقاطعة مع دروب الآخرين وربما أيضا تبرر فيها ما تقوم به من تناقضات تبدو وكأنها شكل من أشكال الشيزوفرينيا العلنية، أليست هذه المجتمعات بأكملها مجتمعات تعانى من انفصام حاد فى شخوصها.. من يتأمل فى تفاصيل شهر رمضان لا يمكن إلا أن يحكم وذلك إذا ما احتكم إلى عقله وعقله فقط، بأن هذه الشعوب الصائمة فى هذا الشهر الكريم قد تدنست بفعل المتناقضات كلها وأصبحت قادرة على تبريرها أيضا بل وغير متصورة أن الصيام الحقيقى ليس فى ما تأكل وتشرب بل فيما تقول وتفعل وهذا أمر بحاجة لبعض العقل حتما وكثير من الحكمة التى تلاشت مع آخر طلقة وجهت للتعليم والعلم والثقافة غير المسيسين حتما، فكل هذه قد تدنست بفعل التسييس وغسل الأدمغة بل ربما عبر انتزاع العقل حتى أصبح الشعار اخلع عقلك وادخل إلى مدننا المتعبة!!
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات