هل ما زال بيننا من يؤمن ويرجو أن أمريكا ستنبرى لمساعدة الشعب الفلسطينى على الخروج من المحنة الاستعمارية الاحتلالية التدميرية التى عاشها عبر الثمانين سنة الماضية، والتى وصلت إلى أشدّ وأقبح حدّتها فى الشهور العشرة الماضية، وعلى الأخص فى غزة المنكوبة؟ وهل تحمل السنوات الأربع التى ستلى انتخابات نوفمبر القادم أى جديد أو أى بصيص أمل؟
الجواب القاطع على السؤالين هو كلا وألف كلاّ.
فسواء أوصلت الانتخابات المقبلة إلى رئاسة الدولة الأمريكية جو بايدن، الرجل الذى اختلطت فى رأسه الأوهام الدينية مع الانتهازية السياسية فجعلته يذهب إلى تل أبيب، ويعلن أنه كان ولا يزال مسيحيًا صهيونيًا يفخر بصهيونيته الدينية ويعتبر نفسه جنديًا من جنود ذلك الوجود الاستعمارى فى فلسطين المحتلة، الرجل الذى لم يترك وسيلة ابتزازية أو إغرائية إلا واستعملها للترويج للمشروع المرتبط باسمه (إدماج الكيان الصهيونى الكامل فى المنطقة العربية)، الرجل الذى ادّعى طيلة عشرة شهور بأنه ضدّ قتل المدنيات والمدنيين الأبرياء فى فلسطين، بينما كان يأمر حكومته بإرسال الأموال والأسلحة بسخاء وبتصاعد فى قوة الفتك والتدمير إلا ببعض التحفظات المظهرية بين الحين والآخر لحماية سمعة دولته المتراجعة ولتبرير استعمالها المستمر للفيتو لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أى قرار بشأن إيقاف حرب الإبادة الصهيونية.
أم سواء أوصلت الانتخابات دونالد ترامب، المطارد من قبل القوانين والمحاكم والمواجه لشتى الفضائح الأخلاقية الضريبية والنسائية، صاحب مشروع (صفقة القرن) الشهيرة، وبطل المكارم السخّية من مثل إعطاء الكيان الصهيونى كل مدينة القدس وكل الجولان المحتل وكأنها أراض من أملاكه الشخصية أو سرقاته المالية الضريبية.
سواء جاء إلى سدة الحكم هذا المخرّف أو ذاك المهرّج، فهل حقا أن هناك أملًا فى حدوث أى تغيير فى نظرة وعلاقة نظام الحكم الأمريكى بالموضوع الفلسطينى أو بأى قضية عالقة عربية تنتظر الحل من الخارج؟
لنأخذ، نحن العرب على الأخص، حذرنا كثيرًا. فالمؤرخ الأمريكى شليسنجر وصف الحكم فى أمريكا بأن الرئيس الأمريكى يتصرّف كرئيس فى داخل أمريكا لكنه يتصرف كإمبراطور فى خارج أمريكا. لنعترف بأسف بأن تصرفه فى الخارج العربى هو أكثر من إمبراطور. إنه يتصرف كإمبراطور ديكتاتور آمر ناهٍ وكأنه يصول ويجول فوق حصان عربى جامح ليصبح نصف إله أورثه الله أرض وطن العرب ومن عليها. إنها الصورة الكلاسيكية للكاوبوى البطل فى المخيال الأمريكى الذى يطلب، ثم يضغط، ثم يسحب مسدّسه ويهدّد بالتصفية الجسدية. وهى الصورة التى وصفها رئيس وزراء العراق السابق، عادل عبدالمهدى، الذى ذكر فى تصريح له أنه عندما كان رئيسًا للوزراء اضطرّ إلى توقيع اتفاق مع الصين لكن فى الحال اتصل به الرئيس الأمريكى السابق ليطلب إلغاءها، فلما رفض أن ينفّذ ما يطلب منه توالت التهديدات من قبل ذلك الرئيس الأمريكى إلى أن وصلت إلى ذروة تهديد رئيس الوزراء العراقى بالقتل إن لم ينفّذ الطلب الأمريكي.
ليس الهدف هو التجريح فى الشخصيتين فهذا أمر يهمّ الشعب الأمريكى، لكن الهدف هو التأكيد بأن أمل البعض فى تغيّر السياسة الأمريكية تجاه العرب بعد الانتخابات القادمة لا تسنده وقائع الماضى ولا ينسجم مع طبيعة الأسس التى تقوم عليها الدولة الأمريكية عبر تاريخها، وهى الدولة التى قامت فى بداياتها على أشلاء الملايين من سكانها الأصليين من قبائل الهنود الحمر واستمرت عبر تاريخها تتنقل من حرب إلى حرب ومن صراع مجنون إلى صراع أجن.
والذين يعتقدون بأن بايدن سيكون أفضل من ترامب أو أن الأخير سيكون أعقل من الأول إنما يمارسون أحلام اليقظة. وإن دولة توصف بأنها «أمريكا التى تقتل أمريكا»، أمريكا التى تقتل نفسها بألف شكل وشكل، لا يمكن أن ينتظر منها أن تكون عقلانية وأخلاقية أيًّا يكون نوع الرأس الذى يقودها وأيًّا تكون نتائج انتخاباتها.