فى رحيله أكثر حياة وحضورًا.. - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى رحيله أكثر حياة وحضورًا..

نشر فى : الثلاثاء 10 ديسمبر 2013 - 7:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 ديسمبر 2013 - 7:40 ص

نزل سرب العصافير.. اصطف على طرفى الطريق.. ذاك الممتد من انبساط الأرض حتى أعلى السماوات.. هناك حيث ينتظره الجميع.. كانوا قد استعدوا منذ زمن لم يأتِ الخبر مباغته.. رغم أن الموت كل الموت لا يأتى سوى مباغتة.

هو ليس بالنبى فلم يعد على هذه الأرض مكان للأنبياء هو ربما آخر البشر الحقيقيين.. آخر الحالمين.. آخر المتسامحين.. آخر المحبين.. آخر العقلاء.. آخر الوطنيين.. آخرهم حتما؟ ربما؟ ربما؟ تحول نيلسون مانديلا إلى أيقونة منذ زمن وضع فى مصاف أولئك الذين غيروا مجرى التاريخ أو على أقل تقدير أثروا فيه بشكل كبير. جاء هو بعد غاندى ليعلم كيف يكون التسامح وكيف يكابر المرء على جرحه وجراح شعبه، ويغتسل بماء الزعفران فيصبح أكثر نقاء ويتلاشى البغض والغضب والحقد الحالك إلى حدائق من النقاء.

•••

كتب أحدهم لماذا تتذكرون مَنْ مثل مانديلا بعد وفاتهم فقط؟ ويبدو فى ذلك تبسيط لما حظى به الرجل من محبة وتقدير بل هو الدرس الذى يكرر على مسامع كل شعب يمر بمراحل تحول من العنف والدمار والقتل وأرصفة الشوارع المعمدة بالدم إلى تعلم التعايش المشترك وبعض المحبة ربما وكثيرا من النور.. هو بالفعل الانتقال من عتمة التخلف والجهل والتعصب والعنف إلى حدائق التسامح الممتدة من جنوب أفريقيا حتى آخر بقعة فى أوطاننا المنغمسة اليوم فى التنافس على الذبح امام عدسات الكاميرات ونفى الآخر.

عاد سرب العصافير إلى موقعه فى أهبة الانتظار وهناك فى السموات راحت الملائكة تبحث عن أفضل بقعة للقادم الجديد هو يستحق أن يكون فى مصاف البشر الأكثر إنسانية من كل الملايين العائمة فوق سطح الارض.. بقعة تكون أوسع من زنزانته تلك التى كانت منزله المظلم لأكثر من عشرين عاما على تلك الجزيرة.. انشغلت الملائكة بنثر الياسمين على طول الطريق القادم.. راحت تبحث عن الأجمل، عن الأنقى، عن الأكثر شفافية.

•••

تصدرت صوره الصحف فى كل مدينة على الأرض وقف له زعماء العالم ربما ببعض من النفاق ربما؟ فليسوا إلا من صنع عكس ما آمن به الرجل.. ليسوا إلا صناع موت فيما هو صانع للحياة.. وقفت بعض صحفنا العربية خجول أن تفرش له كل مساحاتها بدلا من اخبار الزيف والبكاء على الوطن المقتول وثرثرة الكلام المنمق حول الديمقراطية والحرية والعدالة.. هى نفسها تلك الكلمات التى نزعت منها روحها على صفحات صحفنا.. هى ذاتها من نفخ فيها مانديلا الروح بمعانى تسمو عن النفاق العام وتقترب من القلب أكثر.. كانوا يكررون منذ زمن ألن يكون هناك نيلسون مانديلا عربيا؟ عادوا ليكرروا الكلام أيضا مرارا وتكرارا؟ بعضهم كتب على التويتر وفيس بوك أن هناك من يشبهه! كانت الردود قاسية جدا لا مكان لها فى حضرة موت مانديلا.. لا مكان إلا لخطاب المحبة والتسامح هنا، ودعهم يقولون ويكررون، وتبقى العصافير تنتظر ذاك الرجل القادم من زمن آخر.

•••

مانديلا ليس بنبى اقرأوا الإندبندنت والجارديان وغيرهما هناك، أكثروا من وضعه فى مصاف البشر.. لا مكان للأنبياء على الأرض ولكنه ليس أى بشر ولا أى زعيم، فالاحتفاء به هناك يأتى بكثير من المعرفة بقدرات الرجل وتواضعه يدفعنا للتعامل مع وفاته بنفس الدرجة من الاحترام والتقدير دون المبالغات السمجة.

•••

ماديبا كما يحب أن ينادوه لا يموت ولن يبعد عن حياتنا بل هو الأكثر حياة من كثيرين معنا تتقاطع دروبنا معهم ونلتقى بهم ثم ما يلبثوا أن يصبحوا لا شىء حتى ليس ذكرى، فيما هو ذاك الرجل شديد الروعة يبقى هنا أكثر حياة كلما رحل وأكثر بقاء.. كلما ضاقت بنا دروب الموت والقتل والحقد عدنا إليه مرجعا وعقلا ومحبة.. وداعا مانديلا ها هى العصافير تنتظرك والملائكة تنثر الياسمين ونحن ننحنى أمامك فى رحيلك وحضورك.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات