«تراث الإنسانية» للنشء والشباب - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:51 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تراث الإنسانية» للنشء والشباب

نشر فى : السبت 11 فبراير 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 11 فبراير 2023 - 9:10 م

ــ 1 ــ
ما زلتُ على قناعتى بأن واحدًا من الأدوار المهمة التى يجب على كل مثقف حقيقى، وقادر على الاضطلاع بها، أن يوجه جزءًا من نشاطه واهتمامه وإنتاجه إلى الشباب قصدًا؛ أن يتوجه لهم بالخطاب والكتابة والتأليف، وأن يكون حريصًا على إقامة جسورٍ من التواصل والتفاعل الحقيقى، وليس الزائف وليس المغلف بالشعارات الوهمية والمحفوظة والمكرورة والممجوجة أيضًا!
كل رواد النهضة الفكرية والثقافية منذ رفاعة الطهطاوى وحتى جيل الستينيات كانوا يحسبون حساب الشباب فى المقام الأول؛ إما بتخصيص إصدار دورى موجه لهم ويناسب أعمارهم («روضة المدارس» على سبيل المثال، ومجلة «الشباب» التى كانت فى وقت من الأوقات مجلة كل الشباب على الحقيقة لا المجاز).
وإما بتخصيص أعمال ومؤلفات منها ما يقوم على المختارات الأدبية والتراثية التى تنمى الذائقة وتنشط الحاسة الجمالية وترفع من مستوى القراءة والتلقى (مختارات المنفلوطى، على سبيل المثال، والمنتخب فى أدب العرب، وسلاسل الروائع الشعرية والتراثية والنثرية... إلخ التى كان يضطلع بها ويشرف عليها المرحوم الدكتور محمد عنانى).. وفى الوقت ذاته تمنح هذه الأعمال والمختارات والكتب والكتيبات المقبلين على قراءة هذه الأعمال ما يشبه الخارطة المقترحة لمزيد من القراءات والأعمال والتوسع المنظم الممنهج فى تنمية المعرفة والوعى.

ــ 2 ــ
ولقد ظللتُ سنوات طويلة أحلم بالكتابة الموجهة للناشئة واليافعين والشباب تحديدا؛ وتلك الشرائح العمرية التى تتراوح ما بين الثانية عشرة والثلاثين؛ هؤلاء الذين يبحثون بشغف وحب وفضول عن أعمال يقرءونها دون عسر، وكتب تنمى معارفهم وتجيب عن أسئلتهم الحائرة القلقة، وتساعدهم برفق على تنظيم معارفهم وتيسير طرقهم التى يتحسسونها بحذر وخوف فى البحث عن هذا الموضوع أو ذاك، أو القراءة عن هذه الشخصية أو تلك...
والغريب والمدهش واللافت للنظر، أنه ورغم هذا الانفجار المعلوماتى المذهل، وهذه الثورات والطفرات فى وسائل الاتصالات والوسائط ونقل المعلومات والبيانات وإتاحتها، فإنه فى المقابل ــ وفيما يبدو لى ــ تكونت طبقة سميكة وفوضوية ولزجة على سطح هذه الوسائط جعلت الحصول على المعلومات ميسورًا لكن تحصيل المعرفة أو التعرف عليها أو تنظيمها وصولا إلى إنتاج معرفة جديدة بدا شائكا ومخيفا وعسيرا وبعيد المنال!
بالأمس القريب، وفى حفل تكريم المبدع القدير إبراهيم عبدالمجيد الذى نظمته مكتبة تنمية، فى ختام مهرجانها الثقافى الأول، ومن بين الحضور المكتظ وخاصة من الشباب أخبرنى أحدهم مندهشًا «كنت أظن أننى قرأت جيدا نماذج من الأدب العربى والمصرى المعاصر... وهأنذا أسمع منك، ومن الأساتذة الأفاضل أسماء أخرى وأعمالًا أخرى تستحق القراءة والنظر والبحث؛ وذلك عندما جاء عرضا ذكر لأسماء مبدعين مصريين عظام بقيمة مجيد طوبيا، وعبدالحكيم قاسم، وأحمد الشيخ، وعبدالفتاح رزق، وغيرهم.
كانت هذه العبارة التى سمعتها بأذنى من شاب مجتهد، وشاركه شاب آخر فى التأكيد عليها، تعنى ضرورة البحث عن وسائل فعالة وحقيقية لردم الهوة الهائلة بل الفجوة السحيقة التى تفصل بين نخبنا الكريمة ومعارفهم الوافرة، وبين من يبحثون عن هذا المحصول، وعن هذه الوفرة، يسعى وراء ما يسمع عنه فى هذه الندوة أو تلك، ويبحث عن هذه الرواية أو هذا الكتاب أو هذا الموضوع... إلخ.

ــ 3 ــ
على المستوى الشخصى اجتهدت طوال السنوات الماضية، فى محاولة فردية متواضعة، لسد هذا الفراغ بكل الطرق والوسائل المتاحة، باللقاء المباشر فى حفلات توقيع الأعمال الجديدة ومناقشتها والإفاضة فى الحديث عن كل ما يعن للحضور الحديث عنه وخاصة المعرفة الجادة عن تاريخنا الفكرى والثقافى وعن أعمال رواد النهضة التى طمرت وغيبت عمدا تحت ركام التشويه والعنف اللفظى والتغييب الفكرى والمعرفى الذى مورس عمدا منذ السبعينيات.
وفى أى مناسبة أخرى يتاح فيها الحديث المرئى أو المسموع، وأخيرا من خلال التأليف المباشر... فكان أن أخرجت «شغف القراءة»، و«مشاغبات مع الكتب» و«سيرة الضمير المصرى» وغيرها، تسير فى هذا الاتجاه وتطمح لأن تخاطب هؤلاء الشباب مباشرة بسلاسة وبساطة ووضوح، دون التخلى عن الفكرة أو الأفكار المهمة وعمق المعالجة والالتزام بالمنهج، ولكن أيضًا دون استعراض أو تقعر أو جفاف مما صار سمة ملازمة للكتابة الجادة التى تدعى العمق والتنظير ومعالجة المشكلات، فصرنا إلى ما صرنا إليه (ورحم الله زكى نجيب محمود وفؤاد زكريا وغيرهما ممن كانوا يعالجون أصعب الموضوعات وأعقدها فى لغة واضحة بل جميلة وسلسة وجذابة أيضًا).

ــ 4 ــ
وفى هذا الإطار أسعدنى جدًا جدًا صدور هذه السلسلة الجديدة التى أطلقتها مكتبة الإسكندرية، برئاسة العالم القدير الأستاذ الدكتور أحمد زايد بعنوان «تراث الإنسانية للنشء والشباب»؛ وهى سلسلة تهدف إلى نشر الوعى والمعرفة فى كل فروع المعرفة الإنسانية؛ علوما وفنونا وثقافة وآدابا، موضوعاتٍ وقضايا، شخصياتٍ وأعلامًا، وذلك على نحو مبسط وسهل وجذاب لجميع الشباب فى مصر والعالم العربى، وذلك «اضطلاعا من مكتبة الإسكندرية العالمية بدورها المعرفى والتنويرى، من خلال نشر رسالة مصر الخالدة عبر الزمان والمكان».
تأتى هذه السلسلة الجديدة لتكمل أولًا، برؤية عصرية ومعاصرة، تلك الجهود والمشروعات العظيمة التى كانت تظهر كل فترة فى تاريخنا الثقافى لتقوم بهذا الدور، بدءًا من نشاط لجنة التأليف والترجمة والنشر، مرورا بسلسلة «اقرأ» عن دار المعارف، و«كتابى» لحلمى مراد، و«المكتبة الثقافية»، و«أعلام العرب»، و«المسرح العالمى»، وصولًا إلى (مكتبة الأسرة).. كل تلك المشروعات التى أدت أدوارها وأسدت جليل خدماتها للمصريين والعرب جميعا طيلة القرن العشرين وحتى نهاية العقدين الأولين من الألفية الثالثة.
وثانيًا؛ تظهر كتيبات هذه السلسلة التى يتراوح عدد صفحات الكتيب الواحد منها ما بين 60 ــ 80 صفحة؛ لتكثف خلالها المادة التعريفية بأعلام الفكر والثقافة والأدب والفن فى مصر والعالم العربى، وقد استوعبت العناوين الأولى من السلسلة أشهرهم... (وللحديث بقية).