هناك قضايا عربية قومية كبرى لا يجوز التعامل معها من قبل الأنظمة السياسية فى دول مجلس التعاون الخليجى دون معرفة مشاعر غالبية مواطنيها وتوجُهاتهم تجاه تلك القضايا. ولما كنُا نعلم بيقين تام أن تلك الأنظمة لن تقبل بإجراء استفتاءات علنية، تسبقها مناقشات مجتمعية حرة شفافة، حول تلك القضايا، فإننا نعتقد بضرورة، على الأقل، استعمال وسائل استفتاء عينات ممثلة لجموع المواطنين.
لكن يشترط، من أجل أن تكون هناك مصداقية لنتائج استفتاء العينات، أن تقوم بتلك الاستفتاءات مراكز بحوث أو مؤسسات متخصصة كاملة الاستقلالية عن أية تأثيرات رسمية وغير رسمية.
نطرح ذلك بعد أن كثرت فى الآونة الأخيرة المواقف الغامضة أو المختلف من حولها بشكل حاد أو المتخطية لخطوط حمر تاريخية أو المحملة لأجيال المستقبل تبعات لن يكون بمقدورها حملها.
كمثال على ذلك دعنا نطرح السؤال التالى: هل يحق لأنظمتنا السياسية التعامل مع عدو الأمة العربية جمعاء، المغتصب لجزء عزيز مقدس من وطنها، المشرٍد لملايين البشر من شعبها، أى العدو الصهيونى، دون معرفة مشاعر وتوجُهات مواطنيها؟ هل من حق أى من تلك الأنظمة أن يقوم بعض من مسئوليها بالالتقاء بمسئولى النظام الصهيونى فى داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، أو أن تسمح لأنظمة الأمن فى بلدانها التنسيق والتعاون مع مؤسسة الموساد وغيرها من المؤسسات الصهيونية التى تمارس أبشع صور الاضطهاد لساكنى فلسطين من العرب؟
هل يحق لها أن تقوم بذلك سرا حتى ينفضح الأمر من خلال كبريات الصحف العربية أو الصهيونية ويتساءل المواطن فى دول الخليج العربى: أليس من حقى أن تكون لى كلمة فى موضوع خطير كهذا، يمسُ صميم عقائدى السياسية والدينية وثوابتى الوطنية والتزامتى القومية؟
بل يتساءل المواطن بحرقة: أية ضرورات، أمنية أو جيوسياسية تلك التى تستدعى أن يجتمع شخص مقرب من رئيس إحدى دول المجلس بممثل للمجرم الصهيونى نتنياهو فى واشنطن ليبحث معه سبل التعاون فى المجالين الأمنى والاقتصادى ضدُ هذه الدولة الإقليمية أو تلك؟ إلا يشاهد رئيس تلك الدولة يوميا على شاشات التليفزيون الدم الفلسطينى وهو يسيل من بين اصابع ذلك المجرم الصهيوني؟
•••
تلك الصورة العبثية المفجعة فى التعامل مع عدو تاريخى لكل جزء من الوطن العربى ولكل فرد عربى، عدو يعمل ليل نهار لتمزيق هذه الأمة وإذكاء الصراعات فيما بين مكوناتها، تقابله عشرات الصُور الأخرى التى لا يسأل المواطن عن مشاعره وأفكاره تجاهها.
هل نذكر بصورة إقحام بعض دول المجلس نفسها فى مشاهد الجهاد التكفيرى البربرى الممارس فى كل أرض العرب، لإقحام يشمل المال والأسلحة والتبنى الإعلامى والسياسى، دون معرفة مواقف المواطنين من هذا الجنون العبثى، ودون معرفة مواقفهم من صرف البلايين من ثروات أرضهم البترولية فى الانخراط فى ذلك العبث؟
هل نذكُر بصور التعاون الحميمية مع دول الغرب، وعلى الأخص أمريكا، دون أخذ فى الاعتبار تاريخها الأسود ضد كل قضايا الأمة الوحدوية أو التحررية، ومؤامرات أجهزة استخباراتها عبر السنين على كل ما يوحد هذه الأمة أو ينهض بها من ضعفها وتخلُفها؟
هل نذكر بصور التبعية الاقتصادية للمؤسسات العولمية الكبرى، بصور الاستثمارات الخاطئة لصناديق أجيال المستقبل، بصور الضياع فى الأولويات فى حقول التنمية والخدمات الاجتماعية؟ القائمة طويلة.
ما يهمنا هو التأكيد على الخطأ الفادح المضر بالحاضر والمستقبل جراء عدم التعرف على مشاعر وتوجُهات وثوابت المواطنين بالنسبة للقضايا الوطنية المفصلية، وبالنسبة لتحديد الأعداء والأصدقاء، وبالنسبة للدور الذى يجب أن تلعبه دول المجلس فى حياة الأمة العربية وعبر أرض الوطن الكبير.
نحن واثقون أن ذلك سيكون فى مصلحة الجميع سواء أكانوا من المواطنين أو المسئولين عن الأنظمة السياسية التى تتخذ القرارات دون معرفة ميدانية حقيقية لأفكار ومشاعر مواطنيها.
•••
فى اللحظة الحاضرة، وإلى حين تطوير مؤسسات المجتمع المدنى وتطوير الحياة السياسية الديمقراطية فى المستقبل، نحتاج لاستعمال وسائل استفتاءات العيٍنات من جموع المواطنين لإعلام متخذى القرار بما يدور فى أذهان مواطنيهم تجاه مشاهد عربية وإقليمية ودولية أصبحت بالغة التعقيد والتشابك.