نشرت المجلة الأمريكية The National Interest مقالا للجنرال المتقاعد «بيتر زواك» ــ الملحق العسكرى السابق لدى السفارة الأمريكية فى موسكو ــ عن الدروس المستفادة من الهجوم اليابانى على الأسطول الأمريكى القابع فى المحيط الهادئ فى قاعدته البحرية فى ميناء بيرل هاربر بجزر هاواى الأمريكية، الأمر الذى أرغم الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول فى الحرب العالمية الثانية.
بالتفكير فيما حدث للأسطول الأمريكى بميناء «بيرل هاربر» وإمكانية تفادى الحرب التى لا مفر منها، لقد زار الكاتب مرة أخرى النصب التذكارى لميناء «بيرل هاربر» بولاية «هاواى»، بعدما قضى أسبوعين من السفر فى أعماق منطقة الشرق الأقصى الروسية.
ويقول الكاتب: «إن العودة إلى مثل هذه المياه والأرض الأمريكية «المقدسة» فى أعقاب رحلتى إلى شمال شرق آسيا جلبت لى حجة مقلقة مفادها أن أحداث مثل «بيرل هاربر» ــ وهو هجوم مفاجئ مدروس بعناية ــ غالبا ما تنبع من قناعة كاملة وقائمة بأن الحرب حتمية لا مفر منها. وبمجرد أن تتجذر هذه القناعة، يكون من السهل للغاية على أى دولة أن تفسر التصريحات أو الأعمال التى سبقت الحرب كمؤشرات على أن الطريق إلى الحرب لا محالة. وفى عالم اليوم، يمكن لسوء الفهم أو سوء التقدير أن يؤدى إلى كارثة ما على كوكب الأرض».
فى الثلاثينيات من القرن الماضى، تطلعت الإمبراطورية اليابانية إلى القيام بدور إقليمى فى القارة الآسيوية، الأمر الذى واجهته بشكل كبير عدد من الدول العظمى وقتذاك وهى (بريطانيا العظمى وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة). ومن الجدير بالذكر أن أى إجراء اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية كان جزءا من استراتيجية للتدخل فى خطط اليابان الموسعة الذى عزز اعتقادا يابانيا متناميا بأن الدخول فى الحرب كان مجرد مسألة وقت.
فى السنوات التى سبقت بيرل هاربر مباشرة، انتقد اليابانيون العديد من الإجراءات الأمريكية التى تم اتخاذها لتحذيرهم من مغامراتهم الإقليمية العدوانية، وخاصة حملتها الهجومية الوحشية ضد الصين. عندما قامت الولايات المتحدة بنقل أسطولها القوى فى المحيط الهادى من سان دييجو إلى هاواى فى عام 1940، نظرت اليابان إلى هذا القرار على أنه تحدٍ مباشر. عندما تابعت الولايات المتحدة فى الصيف المقبل بفرض حظر نفطى وتجميد الأصول اليابانية، استعد «فصيل الحرب war faction» العسكرى اليابانى الناشئ للرد. حتى الأدميرال اليابانى «إيسوروكو ياماموتو» الذى تلقى تعليمه فى جامعة هارفارد، انضم إلى الاستعدادات للحرب ــ وإن كان ذلك مع وجود بعض الشكوك، ومن الجدير بالذكر أن كل جانب من جوانب الهجوم المفاجئ فى هاواى مصممة لتصويب هدفها إلى القلب من أول ثانية من القيام بالأعمال العدائية.
وبسرية تامة، قام أول أسطول جوى يابانى بطرح ست حاملات طائرات فى نوفمبر 1941 وفى غضون أسبوعين وصلوا فى وقت مبكر من يوم 7 ديسمبر، على بعد 230 ميلا شمال غرب هونولولو ــ عاصمة ولاية هاواى الأمريكية، حيث قاموا بإطلاق غارة جوية على موجتين بمجموع 353 طائرة حربية يابانية. كان الأسطول الأمريكى خارج حماية الولايات المتحدة مما أدى إلى تحطيمه بالكامل. وأطلقت القوات اليابانية المنسقة بشكل جيد فى وقت واحد عملية عسكرية ضخمة تجاه دول شرق وجنوب شرق آسيا (إندونيسيا وهونغ كونغ وسنغافورة والفلبين المحمية من قبل الولايات المتحدة).
***
ويتساءل الكاتب عن كيف يمكن لدولة صغيرة وذات نمو منخفض أن تحدث دمارا كبيرا فى مثل هذا الوقت القصير؟ ويجيب أنه بسبب سوء إدراك الولايات المتحدة لليابان، فضلا عن اعتماد اليابان على عنصر المفاجئة فى عام 1941. إن ما حدث فى بيرل هاربر ما هو إلا درس للقادة العسكريين ليتعلموا من نقاط الضعف الرئيسية والتى تم استغلالها بشكل كبير ثم الاعتماد على تنفيذ هجوم مفاجئ استباقى. وشملت هذه الاستفادة القصوى من تكتيكات الحاملة الجديدة وابتكار أسلحة الطائرات فى بيرل هاربر، فضلا عن عمليات برمائية غير مسبوقة فى جميع أنحاء غرب المحيط الهادئ. أما على اليابس، فقد قامت قوات المشاة الخفيفة فى اليابان بتجنب معاقل الدفاع الرئيسية مثل الموجودة فى سنغافورة فى جنوب شرق آسيا.
فى بيرل هاربر فى وقت مبكر من صباح يوم هادئ، غيرت الأساطيل البحرية اليابانية بشكل دراماتيكى مفاهيم الحرب البحرية والتاريخ العسكرى بتدمير أسطول حربى كامل بالهجوم الجوى. طائرات مصممة تصميما جيدا مع طيارين مدربين أطلقوا من حاملة طائرات يابانية قنابل خارقة. وأظهرت الصور التى التقطت فى ذلك الوقت تدريبات يابانية كبرى مع نماذج بيرل هاربر عشية الهجوم. وبدا أن اليابانيين تلقوا درسا من عملية بريطانية أصغر حجما لكنها فعالة قبل ذلك بعام، عندما استهدفت الطائرات ذات الطوربيدات المدمرة طوربيد ميناء تارانتو فى أكسيس إيطاليا.
***
كيف يرتبط ما حدث فى بيرل هاربر بوضع العالم اليوم؟ كيف ندرسها اليوم؟ مرة أخرى، نحن الآن نشهد بعضا من نفس محركات الصراع السائد فى ثلاثينيات القرن الماضى التى تظهر على السطح. الحاجة لنهم الموارد، الطموحات للنمو، وصعود الأيديولوجيات القومية، والإحباطات المتزايدة بين اللاعبين الطموحين الذين يستاءون من تعامل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها حيث يقفون صامدين ضد السلوكيات العدوانية والمطالبات الإقليمية خارج نطاق القانون.
إن الذى حدث فى بيرل هاربر كان مثالا لاستخدام عنصر المفاجأة من قبل قوى أضعف (اليابان) للهجوم ضد قوى أقوى (الولايات المتحدة). وبالنظر إلى عالم اليوم الذى ينتشر فيه أسلحة الدمار الشامل القابلة للاستخدام على المستوى العالمى، بالإضافة إلى وجود العقلية التى ترى أن الحرب لا يمكن تجنبها فإن عالمنا اليوم من الممكن أن يواجه مثل هذه الكارثة.
من المرجح أن تبدأ المفاجأة غير المتماثلة اليوم من خلال استخدام الفضاء السيبرانى والذكاء الاصطناعى فضلا عن استخدام تقنيات العصر الحديث الأخرى المصممة لإحداث شلل فى المرحلة الأولية من الصراع. هذا النوع من الحروب من شأنه أن يؤدى إلى هزيمة قوى كبرى، ومن ثم هذه الاستراتيجية من الممكن أن تلعب دورا فى حروب نووية أو غير نووية، ونظرا للنجاح الذى حققه ذلك النوع، فإن القوى الأقل قد تؤمن ــ كما فعلت اليابان ــ بأنها تستطيع قمع وكبح المنافس أو الخصوم بشكل استباقى.
ويستطرد الكاتب حديثه قائلا: «باعتبارنا دولة ديمقراطية ليبرالية، فمازلنا عرضة للاندهاش، وبالتالى يجب أن نكون دائما على أهبة الاستعداد. وعلى هذا النحو، تظل المناورات العسكرية والاستعدادات الدفاعية الأخرى مع حلفائنا وشركائنا العديدين المتشابهين حيوية وغير قابلة للتفاوض. ومع ذلك، يجب علينا أيضا أن نظل متفهمين للتصورات والإدراكات التى من الممكن أن تجعل الخصم المحتمل يعتقد أن الصراع أمر حتمى لا مفر منه. وبناء على ذلك، وخاصة فى العلاقات المتوترة بين القوى الكبرى، يجب أن يتحلى الطرفان بالصبر وأن يستمر التعاون من خلال إقامة حوار صريح ودائم مع اتخاذ إجراءات واضحة أثناء حالات الإحباطات وخيبة الأمل. وفى حين لا توجد ضمانات لتجنب الأزمة، فإن مثل هذه الإجراءات التى تهدف إلى التخلص من المصادر الأساسية لارتياب عميق وسوء فهم يمكن أن تذهب بعيدا فى الحد من التصورات للحرب التى لا يمكن تجنبها كما حدث فى اليابان قبل بيرل هاربر.
ويختتم الكاتب حديثه قائلا: «كان هذا هو شعورى عندما أقف وأفكر فى ما حدث فى بيرل هاربر بعد السفر عبر منطقة شمال شرق آسيا المنطقة المعقدة والمتقلبة تاريخيا».
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: من هنا