قتل النساء لا يثير قلق التونسيين والتونسيات - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قتل النساء لا يثير قلق التونسيين والتونسيات

نشر فى : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 7:45 م | آخر تحديث : الأحد 11 ديسمبر 2022 - 7:45 م
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى بتاريخ 10 ديسمبر تناولت فيه التطبيع الذى يُمارس من المجتمع العربى فى التعامل مع حالات قتل النساء وتعنيفهن، فالضحايا أصبحن مجرد أسماء وأرقام توضع فى ملفات ليكون مصيرهن النسيان فيما بعد... نعرض من المقال ما يلى:
من الظواهر السلوكية الملفتة للنظر طريقة تفاعل التونسيين/ات فى السنوات الأخيرة، مع الأحداث وردود أفعالهم المتباينة حول الأخبار التى تذاع على «الفيسبوك»، ودخولهم فى المواجهات والاصطفاف وراء هذا الطرف أو ذاك وما يتبع ذلك من تبادل للعنف اللفظى. فما إن ينشر خبر يتسم بالغرابة أو له صلة بالمشاهير أو يُتوقع أنّه سيحدث «البوز» حتى يسارع الجميع بإعادة نشره دون أخذ المسافة المطلوبة لفهم الموضوع، ودون التحقّق من صدقيته أو الخلفيات الثاوية وراء نشره أو طرح أسئلة تتعلّق بأخلاقيات تبادل الأخبار أو الصور وما يتصل بالحيوات الشخصية للناس وأهداف النشر إلى غير ذلك من المسائل التى تثبت أنّنا قوم لا ينساقون وراء الانفعالات والأهواء بل نحاول أن نعقل مواقفنا ونتدبّر فى ما يجرى من حولنا تدبّرا رصينا يقطع مع التضخيم والمبالغة والتشويه والمغالطات، ولا يتورّط فى إيذاء الآخرين أو المتاجرة بقضاياهم أو «الركوب على الحدث» لتحويل الاهتمام إلى الذات فيتحقّق الإشباع النفسى.
كان بالإمكان أن يمرّ التوتر بين التلميذة والأستاذ دون إثارة الجدل وصناعة الحدث والسردية والبطولة لولا اعتماد وسائل التواصل الجديدة ونقل ما يجرى فى الفضاء العام إلى الفضاء الخاصّ، والاستنجاد بالكتائب الفيسبوكية واستدعاء «المشاهير» لينخرطوا فى «اللعبة» لتطوى الصفحة بسرعة بعد ظهور أخبار أخرى وما أكثر أخبارنا التى تجذب الجمهور الباحث عن فرص لممارسة الفضائحية والبصبصة والتلصص على أخبار الناس والسحل ونصب محاكم التفتيش و...
غير أنّ كلّ الاهتمام التى حظى به «موضوع التلميذة/الأستاذ» والذى يوحى بحرص الجمهور، والنسويات والحداثيين/ات ووسائل الإعلام... على إعادة النظر فى علاقة نظّر لها القدامى حين ألّفوا كتبا فى آداب المعلّم والمتعلّم، حتى تتلاءم مع روح العصر، ومع ثقافة الجيل الجديد فضلا عن الرغبة فى البحث فى أسباب تفشى ظاهرة العنف فى الفضاءات التربوية سرعان ما يقلّ باختلاف نوع الخبر وهويّات «الضحايا» وانتماءاتهم الطبقية والثقافية وأيديولوجياتهم وغيرها من العناصر.
ففى نفس اليوم الذى احتدم فيه الجدل حول العقوبة والفن والشهرة وشروط العملية التعلمية والأخلاق... نشر خبر الشابة التى قتلها زوجها وشرد أبناءها ولكن، وللمفارقة خفت صوت الجماهير ولم تبرز إلاّ أصوات المتعاطفين والناشطات فى مجال مناهضة العنف ضد النساء.
تُخبر هذه الطريقة فى التعامل مع الأحداث أنّ قتل النساء لا يحتّل سلّم الصدارة لاسيما حين تكون القتيلة من المهمّشات والنكرات. فما يحرّك أصحاب الضمائر الحيّة هو أن تحرم «فنانة» من مواصلة التعليم (على أحقية ذلك) وما يغضب الجماهير هو ذكورية تفرط فى الهيمنة ولكن الذكورة «المتوحّشة» التى تنتزع الحقّ فى الحياة لا تثير اهتمام التونسيين/ات الذين هبّوا لنصرة المراهقة... فهل باتت معايير توصيف الخبر على أنّه جريمة وتصنيفه ضمن الـ«خطير» والمستهجن وغير الأخلاقى مزاجية ومرتبطة بالصورة «صورة فتاة شابة رقيقة فنانة بنت ناس»...؟ ولا عزاء لمن لم تنشر صورتها ملطخة بالدماء مقطوعة الرأس أو تلتهمها النيران...؟
إنّ مجتمعا يتحرّك بسرعة البرق فيدافع عن الفتاة المراهقة الجميلة والرقيقة ويناصر ويطالب ويشتم ويشنّ حربا على «المتعجرف» و«الباندى» و«الجلطام»... ولا يحرّك ساكنا أمام الاستمرار فى تقتيل النساء هو مجتمع معطوب فاقد للبوصلة يجارى الموجة وينساق وراء عرض الذات ويخضع للمحاكاة الآلية والتعاطف الشكلى.
إنّ مجتمعا يستمرّ فى ممارسة العمى والنكران ولا يقرّ بأزمة انهيار المبادئ والقيم والأخلاق وغياب الوازع، وسوء فهم الحريات وتخلّى الأسر عن دورها فى الإحاطة والاحتواء والرعاية، ...ولا يضجره تواطؤ المؤسسات ومأسسة العنف وتنكّر الدولة لواجباتها فى حماية النساء وتنصّل الإعلام من دوره فى تقديم المحتوى الإرشادى والمسئول والإيجابى positive media مجتمع مأزوم يمرّ بتحوّلات خطيرة ولا يهمّه البحث فى تبعاتها.
إنّ مجتمعا يطبّع مع قتل النساء ويحولهن إلى أرقام وأسماء توضع فى ملفات تؤرشف ويكون مصيرها النسيان مجتمع لا يعوّل عليه فكيف يكون البناء والإصلاح والتطور لشعب مات فيه الحسّ الإنسانى؟
التعليقات