له حظ كبير من اسمه، كان كريما، كان يكره الفقر ولا يخشاه فى الوقت نفسه، كان يوصل كل صديق بسيارته إلى آخر مكان يحبه ولا يفعل ذلك سواه، إذا رأى حجرا فى الطريق أصر على إزالته وهو من معه حبا فى الحديث الشريف «إماطة الأذى عن الطريق صدقة» كان زاهدا فى الدنيا، فحياته وشقته غاية فى البساطة.
كان نسخة من أبيه فى إبائه وكرمه وشاعريته، كان شعاره فى الحياة «لاقينى ولا تغدينى» يحب من يهش له، ولا يقبل الإهانة أو الانتقاص مطلقا، لو ابتسمت له أو عاملته بلطف ملكت مفاتيح قلبه وإن لم تمنحه شيئا، وإن فعلت العكس أو جرحت كرامته فلن يعاملك بعدها.
كان جسورا شجاعا، بعد أن كبر سنه أصبح غاية فى التريث والأناة بعد أن كان متسرعا متعجلا للنتائج فى شبابه حتى أنه كان يقود السيارة بسرعة كبيرة ويقتحم المهالك فى شبابه غير مبالٍ بالنتائج فلما كبر سنه أصبح من أحكم الحكماء حتى أنه كان يأمر كل من يقود سيارته ألا يجاوز السرعة المقررة، يتنازل عن حقوقه، ويغفر لمن يسىء إليه ويتسامح فى حقه.
كان كثير الذكر والعبادة، حتى بعد أن اشتد عليه المرض، كان شاعرا مرهف الأحاسيس مثل والده رحمه الله، وأظنه توفى بمثل مرض أبيه بأورام الأمعاء.
يمكنك أن تلخص شخصيته فى كلمة هى «الانكسار لله»، وهو فى الوقت نفسه «صاحب صاحبه» كما كان يعبر عنه أصدقاؤه، كانت بينه وبين كل ذوى الشهامة كيميائية خاصة، وهذه الكيميائية كانت كذلك بينه وبين المرحوم اللواء/أحمد رأفت الذى أحسن قراءة شخصية المرحوم كرم زهدى، ووجد كل منهما ضالته فى الآخر، وأخلص كل منهما للآخر وبدأ كلاهما أهم مشروع فى تاريخ الحركات الإسلامية المصرية مشروع «مبادرة منع العنف».
كانت تجمعه مع اللواء/ أحمد رأفت عدة صفات منها الشجاعة والوفاء والإقدام وكراهية الغدر وعدم الخداع وهضم الذات وبيع جاه كلٍ منهما من أجل حقن الدماء وإحلال السلام والأمان.
كان كلاهما يحب الآخر ويثق فيه، ويدرك أن عقبات حقن الدماء والسلام، أشق من غيره، كان كلاهما يعلم أن الأحجار ستلقى عليه فى طريق السلام غيرة أو حسدا أو لسوء الفهم.
تعرضا لصعوبات كثيرة فى طريق المبادرة، ولكنهما تجاوزا كل الصعوبات بإرادة حديدية، سأله مرة قائد الجناح العسكرى حينما رغبه فى تسليم أسلحتهم وأفرادهم دون قيد أو شرط: كيف ذلك، فقد يغدروا بنا فقال لهم الآية: «وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَ حَسْبَكَ اللَهُ» ثقوا بالله ثم بأن هذا الرجل لا يغدر.
كان واثقا من وعود اللواء/ أحمد رأفت الذى لم يخيب ظنه على الإطلاق، وكان وفيا إلى غاية المدى فلم يغدر بأحد ممن سلم نفسه له وهم يعدون بالمئات، بعضهم كان فى أوروبا أو البلاد العربية أو غيرها، وكلما زاد وفاؤه وإكرامه لمن سلم نفسه كلما ازداد عددهم وتتابع.
قصة المبادرة قصة طويلة امتد تفعيلها ونضجها 5 سنوات كاملة رائدها كان مصلحة الدين والوطن، تجربة من أعظم تجارب مصر الثرية التى أصبحت رائدة فى الوطن العربى وقلدتها الجزائر بقانون الوئام المدنى، والسعودية بمشروع المناصحة واليمن بمشروع المصالحة الوطنية، وليبيا بمشروع مماثل، بطلا المبادرة هما المرحومان اللواء/أحمد رأفت والشيخ كرم زهدى.
كنت أقول للشيخ كرم حينما ينتقده البعض قل للناس ما صنعته لهم من خير ، فيقول لا عليك، لن أقول لهم شيئا، أنا أفعل ذلك لوجه الله وسوف أستقيل من الجماعة بعد إتمام المبادرة، فله يد على كل من أفرج عنه وكل من وجد عملا سريعا بعد الإفراج عنه أو عاد إلى وظيفته، وله يد على كل من سافر للعمل بالخارج بعد الإفراج عنه بعد أن كانوا ممنوعين من السفر.
كان يعتبر المبادرة تصحيحا واجبا من طرفنا للمسيرة حتى دون أى مقابل من أى طرف، إنه تصحيح تفرضه الشريعة ولوجه الله وحده دون سواه، ولذلك جاء فى بيان المبادرة الأول «أن الوقف من طرف واحد ودون قيد أو شرط» وكان هذا سر نجاح المبادرة.
كان الشيخ كرم حلو العشرة حاضر البديهة يحب النكتة والقفشة، شاعر مرهف المشاعر، يكره النكد والاكتئاب.
كان يتمنى أن يكون طبيبا، كان يخرج مسرحيات الجامعة، وكان من أبرز فريق الكشافة فى الجامعة.
كان يحفظ معروف أى إنسان أحسن إليه ولو مرة ويذكرهم بالاسم، مكث الأربع سنوات الأخيرة من عمره ينتقل من مرض إلى مرض ومن جراحة لأخرى، ومن أشعة لتحاليل ومن ألم لألم، ولكنه كان صابرا وراضيا عن الله وعن قدر الله، يردد دوما كلمتين اثنين «الحمد لله».
كان دائم اللوم لنفسه، والمعاتبة لها، حكمة حياته التى يرددها هى كلمة ابن الجوزى الذى كان يعشقه «ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة»، كان يفكر فى حكمة أى بلاء، كان صبورا غاية فى الصبر، حياته كلها صعبة ولكنه حولها إلى لوحة صبر جميلة.
كان دوما يردد قول الشاعر:
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِرارا عَلى القَذى *** ظَمِئتَ وَأَيُ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
هذا البيت نفسه أكرره على أولادى وتلاميذى وكذلك الذين يعملون معى فى العيادة.
كان يحب أذان الفجر الأول بصوت قوى سجى، كان يعشق الرجولة والشهامة ويعشق من يتحلى بهما فأحب كل الأخوة الذين يتحلون بهذه الصفة وكذلك الضباط ذوى الشهامة والرجولة وكان يحب ذوى الشهامة حتى لو اختلفوا معه، ولا يحب من لا يتصف بهما حتى لو اتفق معه فكريا.
لم يقصر معه أى أحد من تلاميذه سواء من اتفقوا معه أو اختلفوا معه فكريا لأنهم جميعهم كانوا يشعرون برحمته معهم وحدبه عليهم وفضله عليهم، وكانت علاقتهم به غاية فى الروعة.
شيعه الآلاف من تلاميذه ومريديه جاءوا من كل المحافظات عرفانا بفضله وجميله ورمزا لوفائهم، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.