«الخسائر المتوقعة من توقف العمل والإنتاج قد تكون أخطر من الخسائر الناتجة عن انتشار فيروس كورونا».
هذه العبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى صباح الثلاثاء الماضى، خلال كلمته فى طابور اصطفاف عناصر من القوات المسلحة لمواجهة انتشار كورونا.
ومن الواضح أن هذه الخلاصة ليست مصرية فقط، بل هى موجودة فى أكثر من مكان وسمعنا عبارات مماثلة لها فى أمريكا والصين وألمانيا وإيطاليا، ناهيك عن نماذج أخرى من البلدان، قررت أن تتحدى وجود كورونا، بل وتسمح ليس فقط باستئناف النشاط الاقتصادى كما فعلت إيران، بل بعدم توقف مسابقات كرة القدم، كما فعلت روسيا البيضاء!!.
الكثيرون فهموا من كلمة الرئيس السيسى أن الدولة ما تزال مسيطرة على الأوضاع، وأنه يصعب تماما وقف النشاط الاقتصادى، لكن بشرط التزام المواطنين بكافة الإجراءات الاحترازية، خصوصا عدم التجمعات والنظافة الشخصية.
لكن من الواضح أن البعض فهم كلام الرئيس السيسى يوم الثلاثاء الماضى بصورة مختلفة تماما، وهى أن فيروس كورونا قد اختفى من مصر، وأن المصابين تعافوا تماما. هذه الفئة تعاملت مع تقليص حظر التجول لمدة ساعة ليبدأ من الثامنة مساء، وليس السابعة باعتباره يصب فى نفس الاتجاه.
ولأن الأمر ليس صحيحا بالمرة فى هذه النقطة، فمن الواضح أن جولة الرئيس السيسى يوم الأربعاء الماضى على بعض المشروعات الإنشائية فى مصر الجديدة كانت لإيصال رسالة لمن فهموا الرسالة الأولى بالخطأ.
السيسى قام بتوبيخ بعض من لم يلتزم بالتعليمات الصحية خصوصا ارتداء الكمامة. عدد من المحسوبين على مجتمع الأعمال والاستثمار فى مصر قدموا رسالة مفادها «على الاقتصاد أن يعمل ولا يتوقف، ولا يهمنا أى شىء آخر وأننا سنضحى بالعمال إذا استمرت الأزمة»، رغم أن مستثمرين آخرين قدموا صورة نموذجية ومحترمة مثل محمود العربى وأحمد هيكل ومحمد أبوالعينين إلا أن الرسالة السلبية الأولى هى التى استقرت فى أذهان الكثيرين.
وأظن أن ذلك هو الذى دفع رئيس الجمهورية للقول بأن الدولة ستدعم كل القطاعات بما فيها القطاع الخاص، لكن من المهم ألا يقوم هذا القطاع بفصل العاملين أو يقلل من أجورهم.. رسالة السيسى لعبت دورا مهما فى لجم وفرملة عدد كبير من أصحاب المصانع والأعمال عن اتخاذ قرارات تقليص العمالة حتى الآن.
ومرة أخرى وحتى يبدو الأمر منطقيا فإنه لا يمكن لوم بعض أصحاب الأعمال حينما يخشون الأيام المقبلة.
الأمر باختصار كالآتى: لو كنت صاحب مصنع وتقوم بتوظيف عدد من العمال والموظفين، وتوقف الإنتاج بالكامل أو جزئيا، وتعرضت لخسائر متوالية، فإنه عند لحظة ما، وبعد أن تعطى الموظفين أجورهم، ثم تكتشف أن الإيرادات أقل من المصروفات، وقتها سوف تتخذ إجراءات تقشفية أو حتى تعلن إفلاسك.
ولأن الأمر تكرر فى كل مكان بالعالم فى الأيام الماضية، فقد رأينا غالبية الحكومات تعلن عن إجراءات وقرارات تحفيزية للقطاعات الاقتصادية، من أول دعم العمالة غير المنتظمة والعاملين فى المنظومة الطبية نهاية بدعم قطاع السياحة، وكذلك قرارات البنك المركزى للتخفيف عن المواطنين والقطاعات خصوصا الأكثر تضررا.
بعض رجال الأعمال أساءوا التعبير عن أنفسهم تماما، وبعضهم تحدث عن قضية شبه عادلة، لكن بصورة سلبية تماما، وبعضهم كان موفقا جدا فى الموازنة بين ضرورة استئناف العمل من جهة والحفاظ على صحة المجتمع والناس من جهة أخرى.
النقطة الجوهرية أن الدولة يمكنها أن تدعم المتضررين شرط ألا تطول الأزمة، لأن هناك حدودا لكل شىء. حتى الدول الكبرى أعلنت أنها لا يمكنها تحمل توقف العمل إلى ما لا نهاية، والقطاع الخاص يمكنه أن يضحى لفترة، من شهر إلى ستة أشهر، بعدها سيتوقف تماما، وبالتالى فالسؤال الجوهرى هو متى يمكن استئناف النشاط الاقتصادى فى مصر بصورة كاملة؟!.
اجتهادى الشخصى أننا مثل أى بلد فى العالم. لو تمكنت المنظومة الطبية فى تقليل عدد الإصابات والوفيات وزيادة عدد المتعافين، فى هذه الحالة فقط يمكن للحكومة أن تتخذ قرارا باستئناف العمل كاملا أو حتى تقليص مدة حظر الانتقال لتصبح ست ساعات مثلا. وإلى أن يحدث ذلك فلا يمكن المخاطرة باتخاذ هذا القرار، خوفا من حدوث انتكاسة كبرى بحيث نصبح مثل الدول التى فشلت فى السيطرة على الوباء. والنقطة الثانية هى أن ننظر إلى تجارب الدول الأخرى ونستفيد منها. وهنا نسأل: ماذا فعل العالم أو ماذا ينوى أن يفعل فى نفس المشكلة؟!.