فى ذكرى الأستاذ الإمام - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 13 يوليه 2025 12:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

فى ذكرى الأستاذ الإمام

نشر فى : السبت 12 يوليه 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 12 يوليه 2025 - 7:40 م

توفى الأستاذ الإمام المصلح المجدد الشيخ محمد عبده فى الحادى عشر من يوليو من عام 1905؛ أى مرت على رحيله الآن مئة وعشرين سنة كاملة؛ ولما يتحققَ كلُّ ما حلم به الإمام من إحداث كامل الإصلاح والتجديد والنهضة ليس فقط على مستوى الفكر الدينى والخطاب الدينى، إنما فى مجمل الحياة الاجتماعية والثقافية المصرية والعربية والإسلامية.
والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1849-1905) هو أحد أبرز المجددين فى الفكر الإسلامى فى العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح الكبار، وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون. وقد مر الآن قرن وربع القرن على وفاته، لكن أفكاره ما زالت حية وباقية، فالإصلاح الذى ننشده كان هو أول من دعا إليه.
والأستاذ الإمام محمد عبده هو عندى نقطة البدء والأساس فى انطلاق وخروج ممثلى كل تيارات الفكر العربى الحديث، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من عباءة الأستاذ الإمام رحمه الله خرجت كل تيارات الفكر والسياسة والاجتماع المؤثرة والمتصارعة حتى وقتنا هذا!
(2)
وقد أفرد الأستاذ عباس محمود العقاد أحد أبرز تلاميذ الأستاذ الإمام كتابًا رائعًا بعنوان (محمد عبده عبقرى الإصلاح والتعليم)، كان الكتاب الأول الذى استهلت به سلسلة (أعلام العرب) فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى أعدادها الرائعة المذهلة (سقى الله أيامها بالخير كل الخير).
وقد عَد كثير من الباحثين والمهتمين بتراث العقاد هذا الكتاب امتدادًا واستكمالًا لسلسلة كتبه عن «العبقريات» التى طبق فيها فهمه الخاص لنظرية البطولة الفردية والبحث عن جوانب التفرد والعبقرية فى أفراد مختارين فى ثقافة كل أمة، على شخصيات النبى وكبار الصحابة الكرام. وقد عُدَّ كتابه عن الإمام محمد عبده فى السياق ذاته.
جيل الرواد من مواليد العقد الأخير من القرن التاسع عشر بكامله لم ينج أحد منهم من تأثير الأستاذ الإمام؛ كان حضوره طاغيًا وتأثيره واسعًا وعميقًا وممتدًا، ولن تعدم نصًا أو مقالًا أو ذكرًا للشيخ وعنه فى كتابات ونصوص هؤلاء الأعلام جميعًا؛ من طه حسين والعقاد وهيكل والشيخ مصطفى عبدالرازق وأخوه الشيخ على عبدالرازق.. وغيرهم، يقول المرحوم محمد جابر الأنصارى فى مقالته عن الإمام محمد عبده فى مئويته:
«أما (التلامذة) الحقيقيون لمحمد عبده، بهذا المعنى، فهم عبدالرحمن الكواكبى، وعباس العقاد، ومحمد حسين هيكل صاحب (حياة محمد)، والشيخ مصطفى عبدالرازق صاحب (تمهيد فى تاريخ الفلسفة الإسلامية). أو كما يقول رضوان السيد: رأيت دائمًا أن الإحيائية الأصولية ما كانت أبدًا استمرارًا لإصلاحية عبده، بل هى قطيعة معها».
(3)
ويمتد التأثير سارى المفعول فى تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم حتى ممن لم يلتقوا الإمام مباشرة إنما تلقوا أفكاره التجديدية وآراءه الإصلاحية ونظراته التقدمية من خلال إرثه المنشور ومحاضراته، وما تبقى من تفسيره للقرآن، وكذلك من خلال الأثر المباشر الذى تركه فى تلاميذه الذين صاروا بدورهم أساتذة وإصلاحيين ونهضويين مؤثرين فى الحياة العامة والمجال العام على كل المستويات.
لنأخذ مثالًا مما كتبه طه حسين فى سيرته الخالدة (الأيام) عن لقائه بالأستاذ الإمام واستماعه إليه؛ يقول: «كنتُ إلى هذا الوقت، شديد الاضطراب والذهول تجرى فى جسمى الصغير كلّه رِعْدة ما أحسستها من قبل، حتى إذا سمعت هذا الصوت الحلو يتلو هذا الكلام العذب كلام الله، ويتلوه فى هدوء وخشوع وفى حنان ورحمة لم أملك نفسى، وإذا دمعتان تنحدران فأكفكفهما ثم أثوب إلى الشيخ، فأمنحه عقلى كلّه، وقلبى كله».. (الأيام؛ طبعة دار المعارف).
أو اقرأ ما كتبه الأستاذ الجليل أحمد أمين عنه فى الجزء السادس من (فيض الخاطر) يصفه بـ«المصلح العظيم الذى ترك فى أمته الأثر الكبير»، ويقول عنه:
«كان الشيخ محمد عبده يرى أن الناس خيِّرون بطبعهم، وإنما أفسدتهم الظروف، فإذا أُصلحت صلحوا. وأن المصريين كغيرهم من الناس، إذا ساءت بعض أخلاقهم وبعض تصرفاتهم، فلهم العذر، لِما جنى عليهم أولو الأمر فيهم، فإذا دُعوا إلى الخير ومُهِّدت لهم السبلُ ورسمت لهم الطرق ورُبُّوا تربية صالحة، لَبُّوا الدعوة واستقام أمرهم، واتسع أمامهم طريق المجد والشرف، وعلى هذا الأساس بنى كلَّ حياته وكل أعماله»، وتأمل مغزى الاقتباس ودلالته، وكل لبيب بالإشارة يفهم!
(4)
لقد اقتنع الأستاذ الإمام بأن طريق العمل السياسى فى وقته (الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والسنوات الخمس الأول من القرن العشرين) قد أصبح مسدودًا تمامًا بمصر، والعالم العربى والإسلامى، وأنه لا بد من النضال على خط الدفاع الأعمق، وهو التجديد العقلى، والإصلاح الدينى، والتربوى واللغوى والإنسانى، لأن التخلف الحضارى الذى بلغه المسلمون -العرب بخاصة- فى ظل الدولة التركية العثمانية، والدولة الفارسية الصفوية، أخطر من أن يُعالج بخطاب سياسى وبمظاهرات جماهيرية، بينما (الجماهير) على حالها من الأمية والبؤس والاغتراب عن العصر وحركة التاريخ الحضارى للإنسان.
(وللحديث بقية)