فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى امتلأت الصحافة المصرية بالعديد من التقارير الإخبارية التى تتحدث عن خطة إسرائيلية لإثارة الفتنة الطائفية فى مصر، وصولا إلى وضع مثالى من ــ وجهة نظرهم الصهيونيةــ يطالب فيه الأقباط بتدخل دولى، ثم حكم ذاتى، وصولا إلى دويلة مستقلة رشح لها البعض مناطق مختلفة منها أسيوط.
عندما كنت اقرأ عن هذه الخطة ــ التى تردد أن مهندسها الفعلى هو شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلى حاليا ــ كنت أتعجب من هؤلاء السذج الذين يتصورون أن إسرائيل قادرة على كل شىء، أو أولئك الذين يرجعون كل ما يقع فى منطقتنا إلى نظرية المؤامرة ولا شىء سواها.
الآن وعندما نحاول أن ننظر إلى الأمور ــ كما هى على أرض الواقع ــ يتضح أن أى مؤامرة من الخارج لا يمكن لها أن تنجح من دون أن يكون الداخل هشا وضعيفا ومنقسما ومأزوما.
إسرائيل تتمنى دائما أن تستيقظ لتجد العرب وقد اختفوا تماما من الوجود، لكنها لم تستطع أن تنفذ كامل مؤامرتها فى المنطقة، لأن هناك بعض الفلسطينيين والعرب لايزالون يقاومون لإفشال هذه المؤامرة.
ثم هل كانت أمريكا تستطيع أن تحتل العراق من دون وجود تآمر داخلى، ومساعدات من بلدان عربية.. ما مناسبة كل هذا الكلام السابق؟!.
المناسبة هى زيادة الاحتقان الطائفى فى مصر والذى وصل إلى ذروته بالحادث الإرهابى البغيض فى نجع حمادى قبل أسبوع. الآن نسمع أطرافا قبطية، بحسن نية غالبا وسوء نية أحيانا، تتحدث عن ضرورة تدخل دولى لحمايتهم، ثم بدأت نغمة متزامنة من أصوات أوروبية، خافتة حينا وصاخبة أحيانا، تعزف على وتر الحماية للأقلية القبطية.
أعذر كل قبطى يشكو من الظلم أو التمييز لكن المشكلة كما يقولون هى أن الطريق إلى جهنم مفروش دائما بالنوايا الطيبة.
وكثير من الكوارث والتدخلات الأجنبية بدأت بنوايا طيبة ثم تلقفها الخارج مثلما حدث فى دارفور على سبيل المثال أو فى النموذج الجورجى والأوكرانى الذى تم التدخل فيه بنعومة شديدة ثبت فيما بعد أنها كانت بتخطيط أمريكى فج.
لا ألوم الخارج ولا ألوم إسرائىل إذا حاولت إشعال الفتنة فى مصر أو أى بقعة عربية، فتلك هى مصلحتها.
لكن علينا أن نلوم أنفسنا أولا وأخيرا، فلا توجد مؤامرة من الخارج دون جذور فى الداخل.
على الحكومة إذا كانت تسعى ــ على الأقل لحماية كراسيها ــ أن تتحرك بسرعة قبل أن يحدث الفلتان الكامل وتفاجأ بقرار دولى مثلا يطالبها بحماية الأقباط، يتطور لاحقا إلى تدخل دولى.
وعلى كل قبطى شريف ــ أن يناضل كما يشاء ونحن معه ــ فى سبيل المواطنة الكاملة، لكن عليه الحذر التام من أن يتحول إلى ترس ــ دون أن يدرى ــ فى ماكينة خارجية كبرى تسعى لتفتيت هذا الوطن، الذى صار هشا للأسف بفعل أناس لا يدركون قيمته.