كتب جوناثان زيتراين، أستاذ القانون وعلم الكمبيوتر فى جامعة هارفارد، مقالا نشر بمجلة ذا نيو ريبابليك الأمريكية The New Republic يتحدث فيه عن تأثير الفيسبوك على نتيجة الانتخابات. أشار الكاتب إلى أنه فى الثانى من نوفمبر 2010، خضع مستخدمو الفيسبوك الأمريكيون إلى تجربة موضوعها: هل تستطيع شبكة تواصل اجتماعى دفع الكسالى إلى الذهاب للاقتراع فى الانتخابات النصفية للكونجرس ذلك اليوم؟ وجاءت الإجابة: نعم.
وأضاف الكاتب، كانت طريقة دفع المارة للذهاب إلى مراكز الاقتراع بسيطة؛ عبارة عن رسم يحتوى على وصلة للبحث عن أماكن الاقتراع، وزر تضغط عليه فيعلن أنك قد صوّت، وصور الملف الشخصى لما يصل إلى ستة من أصدقاء الفيسبوك الذين فعلوا نفس الشيء بالفعل. وبالتعاون مع الفيسبوك، قام علماء السياسة الذين ابتكروا الدراسة بزرع هذا الرسم فى قوائم أخبار عشرات الملايين من المستخدمين. ثم قام الباحثون بمضاهاة الأسماء التى استهدفوها مع تسجيلات المصوتين فى نفس اليوم فى جميع أنحاء البلاد لقياس مدى زيادة الإقبال بسبب تشجيعهم. وتوصل الباحثون إلى أن الرسم الذى أرسلوه إلى صفحات الفيسبوك كان تأثيره المباشر زيادة 60 ألف صوت، وبسبب تأثيره الممتد على معارف المصوتين بلغت الزيادة 340 ألف صوت إضافى فى ذلك اليوم.
•••
واستطرد زيتراين: دعونا نتخيل انتخابات ساخنة فى المستقبل، ونفترض أن مارك زوكيربيرج ــ الرئيس التنفيذى لموقع الفيسبوك ــ شخصيا يفضل مرشحًا لا تحبه. وسوف يرتب الأمر بحيث يظهر الرسم المشجع على المشاركة فى قائمة أخبار عشرات الملايين من المستخدمين النشطين للفيس بوك. ولكن على خلاف ماحدث فى 2010 لن يتم اختيار المجموعة التى لا تستقبل الرسالة عشوائيا. بل أن زوكيربيرج سوف يستغل أن عدد علامات الإعجاب على الفيس بوك يمكن أن تنبئ عن وجهات النظر السياسية والانتماءات الحزبية، حتى لو لم يعلن المستخدم عن انتمائه صراحة. ومن ثم، يمكن اختيار عدم إرسال الرسالة لأولئك الذين لا يتعاطفون مع وجهة نظره. من الممكن أن يغير هذا الاحتيال نتيجة تلك الانتخابات الافتراضية. وتساءل الكاتب «هل ينبغى أن يقيد القانون مثل هذا النوع من السلوك؟». حيث يعتبر هذا السيناريو المتخيل نموذجا للغش الرقمى. فتساهم جميع أنواع العوامل فيما يظهر على صفحات فيسبوك أو تويتر أو نتائج البحث فى جوجل أو بينج. وسيكون من السهل الوصول إلى محتوى صفحات الآخرين، والتعرف على تفضيلاتهم. ويحدث الغش الرقمى عندما ينشر موقع ما، المعلومات بطريقة تخدم أجندته الأيديولوجية.
ويرى الكاتب أن غضب عدد كبير من مستخدمى الفيسبوك، من خيانة الثقة، سوف يدفعهم إلى اعتماد شركات بديلة، وهو ما يضر إيرادات الشركة المسئولة وسمعتها. ولكن الشركات تحتفظ بالحق فى تقديم الأخبار ونتائج البحث بالشكل الذى يحلو لها. ويمكن تفسير محاولة التأثير على نسبة المشاركة فى الانتخابات بأنها تقع ضمن الشروط القائمة التى يوافق عليها المستخدمون، ولا تتطلب أى إشعار خاص. وفى نفس الوقت، ليس من المستحب تمرير قوانين جديدة لمنع الغش الرقمى. حيث إن التدخل فى كيفية تقديم الشركة المعلومات لمستخدميها، وخصوصا عندما لا يجادل فى عدم صحة المعلومات، قد يثير المتاعب. كما يرى أن الحل الأفضل المتاح هو تشجيع الشركات المؤتمنة على البيانات والتفضيلات الشخصية لتكون بمثابة أبطال «حماية المعلومات» وفقا لمفهوم جاك بالكين الأستاذ بكلية الحقوق فى جامعة ييل، الذى يرى سابقة فى الطريقة التى يحصل بها المحامون والأطباء على معلومات حساسة حول عملائهم، ولا يسمح لهم باستخدام تلك المعرفة لأغراض خارج المهمة المطلوبة منهم. ويتساءل بالكين: «هل ينبغى أن نتعامل مع بعض الشركات على الانترنت بنفس الطريقة، لما لها من أهمية فى حياة الناس، ودرجة الثقة والاطمئنان التى يضعها الناس لا محالة فى هذه الشركات؟» وفى الواقع، تلتزم شركات الإنترنت اتباع سياسات الخصوصية الخاصة بها، وإن كانت واهية. ويجب أن تفعل الشركات المؤتمنة على المعلومات ما هو أكثر من ذلك. فعلى سبيل المثال، ربما يكون عليها تأمين مسارات التدقيق التلقائى عندما يتم مشاركة البيانات الشخصية لمستخدميها مع شركة أخرى، أو عندما تستخدم هذه البيانات بطريقة جديدة. فهى توفر وسيلة للمستخدمين لتبادل نتائج البحث أو لأخبار لمعرفة كيفية ظهور هذا المحتوى من دون تأثير مجموعة البيانات الشخصية. والأهم، أن تبتعد الشركات المؤتمنة على المعلومات عن أى صيغ التخصيص المستمدة من أهدافها الأيديولوجية. ويمكن أن يكون هذا النظام اختياريا، على النحو الذى يختار به رجال الأعمال الذين يقدمون الاقتراحات حول شراء وبيع الأسهم والسندات بين العمل كمستشارى استثمار أو وسطاء : يلتزم «المستشارون» بعد وضع مصالحهم فوق مصالح عملائها، فى حين أن هذا ليس واجبا على «الوسطاء»، حتى وهم يحملون ألقابا مثل: المستشار المالى، أو مدير الثروة.
•••
وأكد زيتراين فى نهاية مقاله على أن مهمة الشركات المؤتمنة على المعلومات سوف تكون محدودة للغاية بالنسبة إلى فيسبوك وجوجل عالميا، فى حين تكون مفيدة بما فيه الكفاية للناس الذين يعتمدون على الخدمات، بحيث يمكن أن يتشجع الوسطاء على اختيار التدخل فيهما. ولتقديم المزيد من الحوافز، يمكن للحكومة أن تقدم اعفاءات ضريبية أو بعض الحصانات القانونية للراغبين فى تقديم خدمة مضمونة لمستخدميهم. وقد تختلف نتائج البحث ومصادر الأخبار الخاصة بناء على الميول السياسية لكل شخص، لمجرد أن الخدمة الرقمية تحاول أن تعطينى ما أريد مثلما يوصى مستشار الاستثمار المتهورين بشراء الأسهم، والمتعقلين بشراء السندات وليس لأن محرك البحث أو الشبكة الاجتماعية تحاول سرا اختيار الفائزين فى الانتخابات.