‎معارضة الأفكار المادية ونظرية داروين: قراءة داروين بالعربية 1860 - 1950.. كتاب مثير «2» - محمد أبو الغار - بوابة الشروق
السبت 14 يونيو 2025 8:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

‎معارضة الأفكار المادية ونظرية داروين: قراءة داروين بالعربية 1860 - 1950.. كتاب مثير «2»

نشر فى : الجمعة 13 يونيو 2025 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 13 يونيو 2025 - 8:30 م

‎بدأت معارضة الافكار الداروينية بترجمة كتب من الفارسية وأشرف على طباعتها فى بيروت الشيخ محمد عبده بعنوان «فوضى النظريات المادية وإثبات أن الدين هو أصل الحضارة، وأن الإلحاد هو مصدر انهيار الحضارة». ثم صدر بعنوان مختصر «الرد على الدهريين». وكان عبده تلميذ المحرض السياسى والمفوه والخطيب الدينى جمال الدين الأفغانى.

‎يقول الباحث إنه لم يقارن أحد بين أفكار شميل المادية والدارونية وبين أفكار وكتابات الأفغانى وخاصة الأولى التى كتبها بالأردو فى الهند ويعتقد أن هناك تقاربا كثيرا فى الأفكار.

‎ولكن الأفغانى كتب بصراحة أنه لا يؤمن بهذه النظرية ولا الأفكار التى بنيت عليها وأنه يؤمن أن الدين هو المحرك الأول للحضارة كما قال ابن خلدون، أما شميل فكتب عكس ذلك تمامًا. ثم قال الأفغانى إن نظرية داروين مبنية على أفكار أبو العلاء المعرى وفلسفته عن التطور وأن شبلى قد أخذ نظرية داروين إلى أبعد مما يجب، وقد أيد الأفغانى عددا من المفكرين المسيحيين والمسلمين المعارضين للنظرية.

‎وقام شميل بالرد عليهم بأن قوة الطبيعة والعقل والعلم يجب احترامهما. وبعد إنشاء جامعة القاهرة بعامين طالب شميل بإلغاء تدريس العلوم الإنسانية والقانون واستبدالها بالعلوم الطبيعية والكيمياء والطبيعة والأحياء. أفكار شميل الثورية لم تنتشر فى العالم العربى وبعد وفاته عاد إسماعيل مظهر إلى كتاباته ليعيد نشرها وشرحها.

صحوة الشرق الأقصى

‎عند بدء تقدم اليابان كتب المصريون أنهم خرجوا من العصور السوداء وحين هزمت اليابان روسيا فى حرب ١٩٠٥ كتب سلامة موسى يعبر عن سعادة الشعب المصرى وتشجيعه لليابان لأن الشرق انتصر على أوروبا وفى ذهن المصريين أن هزيمة دولة أوروبية هى هزيمة لبريطانيا التى تحتل مصر. ونشرت المقتطف تفاصيل الحرب وكذلك مشاعر المصريين. وراقب صعود اليابان باهتمام شديد زعماء مصر الصاعدين وأولهم مصطفى كامل الذى نشر عدة مقالات فى صحيفة اللواء عن صعود اليابان وكتابه «النجم الصاعد» الذى نشره عام ١٩٠٤ عن اليابان. وكتب لطفى السيد مشجعًا روح اليابان الذين صعدوا لأنهم عرفوا كيف صعدت الحضارة الغربية وكتب المقتطف أن من أسباب صعود اليابان هو انفتاحهم على التعليم والبحث العلمى فى مقالات كثيرة وكتبوا أن اليابان ترسل أبناءها لدراسة العلوم المتقدمة ولا يذهبون لتعلم الرقص. كتب المقتطف أن اليابان قررت فصل الدين عن الدنيا والتعليم وأنهم فى المقتطف يتبعون هذا المبدأ. وأن قرار اليابان بأن وجود دين للدولة أمر يعيق التقدم وأن تقدم الغرب ليس له علاقة بالدين المسيحى. وعندما كتب محمد فريد وجدى كتابه الإسلام والحضارة عام ١٨٩٩عارضت المقتطف الفكرة وقالت إنه يجب فصل الأديان عن العلم. ولم يعجب بعض قراء المقتطف بذلك وأرسلوا خطابات للمجلة ترفض هذا الرأى.

‎وتلا هذه الفترة بعض علماء المسلمين فى الشام ومصر وعلى رأسهم الجسر الذى كتب فى العلوم الطبية والتطور وإن لم يذكر داروين أو سبنسر وشميل فى كتاباته التى لقيت ترحيبًا واستمر المقتطف كمجلة ترحب وتشجع وتشرح أفكار داروين.

‎وتحدث الجسر مذكرًا أن الله هو الذى خلق الكون ومن غيره يخلق المحيطات والجبال والصحراء والمعادن والنباتات وشرح تكوين الخلية المعقد بالميكروسكوب وتحدث عن العين وكيف هى العضو شديد التعقيد من جسم الإنسان. تحدث الجسر عن تفسير القرآن إلى نظرية داروين قائلا إنه فى المستقبل إذا ثبت صحتها فلا مانع من قبول المسلم بها بشرط إيمانه بأن الله هو خالق الأرض وما عليها. وقال الجسر إنه مؤمن بأن الله خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ولكن قال ما هو طول اليوم فى ذلك الوقت لا أحد يعرف.

داروين والمفتى

‎فى صيف ١٩١٣ وفى مدينة برايتون الإنجليزية، التقى الرحالة وعالم الأخلاقيات والناشط السياسى والمدافع عن مصر ضد الاحتلال بلنت مع الفيلسوف البريطانى سبنسر وبحضور مفتى مصر الشيخ محمد عبده الذى كان يكنّ إعجابًا وحبًا كبيرًا للفيلسوف سبنسر الذى طلب من بلنت أن يقدمه له وكان عبده يكتب عن عظمة سبنسر فى التعليم والثقافة والأخلاقيات والعلوم الطبيعية وترجم له عن الفرنسية أحد كتبه. وتحدث سبنسر عن رأيه فى المشاكل المتوقعة فى أوروبا وأن الحرب التى يقودها تشرشل فى جنوب إفريقيا هى كارثة إنسانية. وسأل سبنسر محمد عبده هل صحيح أن الشرق يتطور على نفس خطوات الغرب؟. وأجاب عبده نحن نتعلم الشر من الغرب وليس الخير ولكن الأفكار المتنورة متساوية بين الشرق والغرب. وسأل سبنسر عبده أنتم تقولون عن الإله الله ونحن نقول الرب وأجاب عبده بأن الله هو الإله وهو ليس كائنا مثل الإنسان ثم قال عبده أعرف أنك لا تؤمن بالإله. وأثناء العودة فى القطار قال محمد عبده لبلنت أن الله يعلم كل شىء ويكون راضيا عنك اليوم وغاضبا غدًا بسبب أفعالك وأن الله دائم ومستمر. ونشر فى ١٩٣٠ الشيخ محمد رشيد رضا معظم أعمال محمد عبده لكنه حذف بعض الأشياء فى حديث محمد عبده مع سبنسر الفيلسوف البريطانى.

الإسلام والحداثة

‎يعتبر الشيخ محمد عبده هو أحد رواد الحداثة من شيوخ الأزهر ومن المصلحين فى تفسير علوم الدين وكان براجماتيا فى التفكير وكان فكر محمد عبده متجهًا أساسًا إلى تحديث الأمة الإسلامية وللوصول إلى ذلك كان مصرًا على التجديد. وكان يريد إدخال العلم الحديث فى منهج تدريس شيوخ الأزهر ولم يتهم داروين بالكفر والإلحاد عكس الأفغانى الذى أعجب به فى المرحلة الهندية من حياته ثم هاجمه بشدة فى المرحلة التالية.

‎وشجع محمد عبده على استخدام العقل لابتكار أشياء جديدة واعتبرها أنها كلها من فضل الله.

‎وهناك فصل كامل عن الاستشراق والإسلام ودور محمد عبده فى تحديث التعليم. يتحدث الكتاب بالتفصيل عن علاقة محمد عبده المتوترة بعلماء الأزهر وعلاقته باللورد كرومر. يتحدث الكتاب عن معركة محمد عبده مع المفكر فرح أنطون حول الاشتراكية والماركسية وعلاقته بنظرية داروين.

‎يحكى الكتاب عن ظهور الاشتراكية فى مصر لمجموعات مختلفة ويتحدث عن سلامة موسى الذى رأس تحرير الهلال لفترة زاد فيها توزيعها ثم أسس المجلة الجديدة عام ١٩٢٩ والتى نشرت أول عمل لنجيب محفوظ. واهتم موسى بنشر مقالات علمية وكتب عن التطور ثم انتقل إلى شرح نظرية داروين للقراء وتأثير التطور على الحياة الاجتماعية والثقافية وتحدث عن مساواة الجنسين وكذلك الاشتراكية واعتبر سلامة موسى أن كمال أتاتورك أخذ بكل أنواع التقدم الأوروبى وهو المثال الناجح الذى يمكن أن نتبعه. وعارض موسى المثقفين المصريين الذين عادوا الغرب والفكر الغربى بدعوى معاداة الاستعمار. آمن سلامة موسى بالفرعونية واهتم بدراسة المصريات، ولكنه فى الناحية الاقتصادية كان يؤمن ويشجع الاقتصاد الوطنى على هدى غاندى فى الهند وشرح خطورة سيطرة رأس المال الأجنبى على الاقتصاد المصرى ونادى بمقاطعة البضائع الإنجليزية.

‎لم يكن سلامة موسى يؤمن بالثورة وكان يؤمن بالتحول التدريجى والتقدم إلى الأمام بخطوات وليس بثورات.

ترجمة داروين للعربية.

‎أول ترجمة ظهرت عام ١٩١٨ بعنوان «أصل الأنواع والنشوء بالانتخاب الطبيعى» وقد أضافت الترجمة كلمة النشوء غير الموجودة فى الأصل. والعنوان الجانبى «حفظ الصنوف الغالبة فى التناحر على البقاء». قبل ذلك نشرت فقط أجزاء من الكتاب مترجمة فى المجلات مثل المقتطف. ظهرت بعض المشاكل فى الترجمة للعربية بسبب وجود كلمات علمية ليس لها نظير فى العربية فترجمت إلى كلمات لا تعطى المعنى الحقيقى. وكان إسماعيل مظهر المترجم واعيًا لهذه المشكلة وقام بتعريف عدد كبير من المصطلحات العلمية قبل وفاته عام ١٩٦٢.

‎إسماعيل مظهر يعرفه القليل الآن ولكنه كان نجمًا هامًا فى الثقافة المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين. تخرج فى المدرسة الخديوية وأجاد اللغة العربية على يد الشيخ المرصفى فى الأزهر. وكان يجيد اللغات الأجنبية وكتب مقدمة ترجمة كتاب داروين بعد نهاية الثانوية عام ١٩١١ ولفت نظره كتاب الفيلسوف الألمانى بوشنر «فلسفة النشوء والارتقاء» ولفت نظره كتاب شبلى شميل وتعمق فى الفلسفة اليونانية القديمة ثم الفلسفة الألمانية وقرأ أبوالعلاء المعرى وظهرت ترجمة مظهر فى بدايات ثورة ١٩١٩ وكتب عنها فى المقتطف وأصبح مظهر موسوعيًا كبيرًا. وفى عام ١٩٢٨ نشر الطبعة الثانية من داروين بالعربية ومع انتشار الحوار العنيف حول كتاب داروين كتب مظهر مقالة دافع فيها عن حرية الفكر وأنها ضرورية للنهضة. وطالب بأن يكون التعليم والقضاء بعيدًا عن الدين ودافع عن طه حسين حين حاكمه البرلمان على كتابة الشعر الجاهلى.

‎وفى نهاية الأربعينيات أغلقت الحكومة صحيفته وكانت تنظر إليه بقلق وبعد حركة الضباط الأحرار عام ١٩٥٢ كان موقفه محايدًا حتى ١٩٥٦ حين أيد النظام بقوة عند تأميم قناة السويس واستمر حتى وفاته وبذا رحل أحد أهم شارحى ومؤيدى نظرية داروين وكل أنواع التفكير العلمى.

‎وكتب المقالة الشهيرة التى ادعى فيها أن تأخر الشرق سببه تعلقهم الشديد بالدين فى كل شىء فى حياتهم وعلى أثرها حدث هجوم ضخم على إسماعيل مظهر بل واتهمه البعض بالكفر ويقال إنه شجع على عبد الرازق على الانتهاء من كتابة الإسلام وأصول الحكم الذى نشر بعد عام واحد من المقالة.

‎وفى ختام الكتاب يشرح المؤلف حادثة الحكم بطلاق نصر حامد أبو زيد من زوجته على أساس أنها امتداد لهذا الخلاف الذى وصل إلى تسعينيات القرن العشرين.

محمد أبو الغار الكاتب محمد أبو الغار
التعليقات