نشر موقع قنطرة تحليلا للكاتب محمد طيفورى حول فرض اللغة الفرنسية فى المدارس فى المغرب ضمن ما سمى بـ«التناوب اللغوى» والذى يراه الكاتب لا يخدم عملية الحداثة فى المغرب التى يجب أن تبنى على لغتهم الأصلية ومعارضا لما نص عليه الدستور المغربى فى كون اللغة العربية والأمازيغية اللغتين الرسميتين فى البلاد.
تعود اللغة الفرنسية إلى التعليم بالمغرب، بعد مضى 63 عاما على رحيل الاستعمار الفرنسى عن البلد، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على سياسة التعريب الجزئى للتعليم، حيث توقف المشروع عند مستوى الثانوية العامة (الباكالوريا)، وتم الإبقاء على التدريس بالفرنسية فى مختلف التخصصات بالجامعة (العلوم والاقتصاد والطب والهندسة...)، باستثناء كليات الآداب والعلوم الإنسانية.
يفتح قانون الإطار رقم 17.51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمى الباب على مصراعيه أمام فرنسة التعليم بمختلف الأسلاك «المجالات»، تحت عناوين خدّاعة كالتناوب اللغوى والانسجام اللغوى وغيرها، بعد أن تمت المصادقة عليه قبل أيام. لتنتهى بذلك أشهر من البلوكاج «الانسداد» أوشك على تفجير الأغلبية الحكومية، بسبب تحفظ حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال على مادتين (2 و 31) تفرضان تعليم المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، لما فى ذلك من مخالفة لمرجعية الحزبين وللثوابت والهوية الوطنية.
يأتى قانون الإطار الجديد ضمن سياق تنزيل مخرجات الرؤية الاستراتيجية 2015 ــ 2030 الرامية إلى إصلاح منظومة التربية والتعليم، بعدما انتهت جميع المحاولات ــ بدءا من اللجنة الملكية لإصلاح التعليم عام 1957 حتى البرنامج الاستعجالى لسنة 2009 ــ بالفشل الذريع فى تقديم حلول للإخفاقات التى يعرفها التعليم، ثانى قضية فى سلم أولويات المغاربة بعد قضية الصحراء.
إذ تفيد كل المؤشرات بأن المسافة تزداد هوة بين الخطاب والممارسة، فما أكثر الأعطاب التى تتراءى فى سجل التعليم، من هزالة فى محتوى المقررات التعليمية، واكتظاظ فى الفصول الدراسية، وارتفاع فى نسب الهدر المدرسى، حتى بلغ الرقم أزيد من 400 ألف حالة فى جميع الأسلاك. يضاف إليها متوسط سنوى يتجاوز 760 ألف حالة تكرار، أعلى مرتين تقريبا من المتوسط العالمى.
إضافة إلى تنامى ظاهرة العنف المدرسى، وتراجع مستوى التحصيل الدراسى، وتزايد الاحتقان المؤسسى، وضعف التكوين بالنسبة للموارد البشرية بتبنى خيار التعاقد، وتدهور منسوب الرضا الوظيفى، بسبب تعاقب خيبات الأمل من الوعود المبشرة بالإصلاح.
يغض أنصار هذا القانون الطرف عن هذه الحزمة المعقدة من الاختلالات، مبشرين بالفرنَسة كوصفة سحرية بمقدورها علاج مشاكل التعليم قاطبة، وتحريك عقارب ساعة الإصلاح التى تعطلت منذ زمان. لذا يكفى الانفتاح على اللغات، وبدقة اللغة الفرنسية، من خلال اعتمادها كلغة للتدريس، فى مختلف الأسلاك التعليمية: الابتدائى والإعدادى والثانوى، ضمن ما يسمى «التناوب اللغوى» الذى لا يعنى عمليا سوى فرض لغة غير دستورية فى النظام التربوى المغربى، فالانفتاح اللغوى فى العالم يكون من خلال «تدريس اللغات»، وليس بـ«لغات التدريس».
لا خلاف حول أهمية تعليم اللغات الأجنبية الأكثر تأثيرا وتداولا وأهمية فى البحث العلمى، بما فيها اللغة الفرنسية. لكن جوهر المشكل يكمن من ناحية، فى الانفتاح الأحادى على لغة بذاتها، وتقديمها للمغاربة كجسر نحو العلوم الحديثة، والحقيقة نقيض ذلك تماما، وهذا ما يؤكده الإقبال الكبير للفرنسيين على تعلم اللغة الإنجليزية.
ومن ناحية أخرى، فى كونه يأتى على حساب اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية، فالدستور ينص فى فصله الخامس على أن «تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعدُّ الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء».
النص الأصلى:من هنا