تعلمت من زميل لى بالجامعة عدم الاعتماد على أفعل التفضيل كأن نقول: هذا أحسن فيلم، وهذا أحسن ممثل، لأن اطلاق الاحكام فى العموم امر منقوص، وبعد سنوات طويلة من الحرص يمكننى ان اقول ان الحوار الذى سمعته فى فيلم بحبح فى بغداد اخراج حسين فوزى عام 1942 هو اجمل حوار فى السينما المصرية على الاطلاق وانه حتى الان لم يتجاوز أى كاتب سيناريو براعة بديع خيرى والدليل على هذا تلك التحفة المسماة بغزل البنات، الغريب ان فيلم بحبح فى بغداد غير متداول بين المتفرجين وقد شاهدته هذا الاسبوع اكثر من مرة، فهو كفيل ان يغير لك رايك فيما تشاهد كما انه يؤكد ان السادة الافاضل نقاد السينما المصرية لم يشاهدوا الدرر الكامنة منها كاملة حتى الان.
هذا فيلم يجمع عددا من النجوم فى احسن حالتهم ابتداء من فوزى الجزايرلى، ومحمود المليجى، وبشارة واكيم، واخص بالذكر حورية محمد الراقصة التى كانت الافضل فى زمن الاربعينيات ثم توارت تماما عن الانظار، والمخرج حسين فوزى هنا قدمها فى احسن حالاتها على الاطلاق، والذى عمل معها فيما بعد فى فيلم (يوم فى العالى)، امراة ذات ملامح وجه بالغة الدقة كانما رسمها فنان مثل رافيلو بشكل طبيعى بالاضافة إلى اداء سلس بعيدا عن التكلف فصارت من خلال مثل هذه الادوار نجمة لا منازع فى افلام اخرى منها شارع محمد على، والقرش الابيض
النجم الابرز فى هذا الفيلم هو فوزى الجزايرلى الذى ظلمه الزمن فلا يعرفه احد من ابناء الاجيال التالية وهو يمتلك موهبة التحكم فى جسده الذى يميل إلى البدانة كانه يفجر من هذا الجسد ما يضحك الجماهير طوال سبعين عاما، وهو هنا حلاق بغداد الوحيد الذى يمكنه التحكم فى لحية قاضى المدينة ويمكنه ايضا ان يصحب معه مساعده كى يدخل قصر القاضى المتزمت، الذى يمنع ابنته من الاقتراب من فتحات المنزل ورؤية ما يدور فى الخارج، الا ان الفتاة تقع فى حب ابن شهبندر التجار ويجسده هنا الشاب الوسيم محمود المليجى خفيف الظل بشكل ملحوظ.
هذا الشاب قمر الزمان يتمكن من خلال الحلاق من دخول القصر ومقابلة حبيبته الا انه بهذا التصرف الارعن يتسبب فى متاعب للحلاق وللحبيبة.
الشخصيات هنا متعددة ابرزها شخصية الوصيفة التى تجسدها حورية محمد فهى تلعب دورا فى تقريب الحبيبين داخل القصر وتؤلف لغة خاصة بها اقرب إلى الشفرات تعكس براعة الكاتب فى الصياغة ويمكنك ان تستمع إلى التلاعب الجميل بالمعانى والكلمات التى ترددها هذه المراة بما يذكرنا بشخصية شهرزاد ما فعلته مع زوجها الملك فاستطاعت أن تغيره.
هذا فيلم واقعى عن زمن الدولة العباسية وهو يحتاج إلى ديكورات ضخمة وشخصيات كثيرة وموضوع تقليدى لكنك فى النهاية لا تستطيع سوى ان تحب مثل هذه القصص، فليس امامنا الاشرار كمان عهدناهم فى مثل هذه الافلام بل ان الجميع يتصرف بتلقائية باعتبار ان السينما الكوميدية قد تفسدها المكائد والنوايا الشريرة لذا فان الفيلم هو اقرب إلى كوميديا موسيقية رغم ان حورية محمد هنا كانت ترقص احيانا ولكنها ليست مطربة، وقد شجعتنى رؤية هذا الفيلم لمشاهدة فيلم اخر جمع بين ثلاثة من ابطال الفيلم هو القرش الابيض ولا شك ان هذا يشجع المرء على البحث فى مكامن مجهولة من السينما منها فيلم حسن وحسن.
فيلم بحبح فى بغداد تم انتاجه قبل ازدهار السينما الموسيقية الغنائية أى قبل ظهور فريد الاطرش ومحمد فوزى لكن سوف يحسب للتاريخ ان حسين فوزى قد قدم لنا حورية اسما ومعنى فى بداية الاربعينيات.