الحديد والصلب المصرية... مشهد النهاية 2 - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحديد والصلب المصرية... مشهد النهاية 2

نشر فى : الإثنين 14 يونيو 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : الإثنين 14 يونيو 2021 - 7:25 م
كنا على وشك بداية اجتماع لإحدى الجمعيات العمومية لشركة الحديد والصلب المصرية، بمقر الشركة القابضة للصناعات المعدنية، وكنت أترأس الاجتماع بصفتى رئيسا للشركة القابضة، ميزّت بين الحضور بعض القيادات العمّالية التى أعرف جيدا إخلاصها للشركة، فأشار أحدهم إلىّ بأنه سعيد لأن مواقع الحديد والصلب تظهر فى مشاهد أحد المسلسلات الرمضانية، مازحته بأننى أشاركه السعادة نفسها غير أنى لا أستبشر خيرا بعنوان المسلسل، وكان مسلسلا بعنوان «النهاية».
فى المقال السابق تناولت عددا من الظروف والملابسات والتحديات بل والجهود التى بذلت من أجل وقف نزيف الهدر وتخفيض الخسائر والمديونيات والالتزامات لشركة الحديد والصلب المصرية خلال الفترة من مارس 2018 وحتى يوليو 2020. وهى الفترة التى شهدت الكثير من الحراك فى هذا الملف، وتشبّعت بالعديد من الاحتمالات التى توقّف عليها مصير شركة الحديد والصلب المصرية. تعددت أصداء نشر المقال السابق، وكانت فى مجملها مشجّعة على المضى قدما فى إيضاح طبيعة وفلسفة مسارات الإصلاح المتوازية التى انتهجناها، والتى كانت تدور حول تعظيم الاستفادة من خامات الحديد التى تملكها الشركة فى مناجمها بالواحات البحرية، وتسوية المديونيات التاريخية وحل النزاعات والتشابكات مع مرافق الدولة والبنوك لتعظيم قيمة السهم، وأخيرا مسار التطوير الفنى لإمكانات وتكنولوجيا الشركة وتأهيل العمالة... مع تحسين استغلال أصول الشركة وخردتها المنهوبة على مدار السنين ووقف مصادر الهدر عبر بدائل lean management لتصبح مصدرا لتمويل الإنجاز فى تلك المسارات، دون إثقال على خزانة الدولة.
وفى مقال اليوم سوف أستعرض أهم ما توصلت إليه جهود مسار استغلال الخامات. فقد واجهت مصانع الحديد تحديات عالمية أربكت أسواق الصلب أهمها الرسوم الحمائية الأمريكية التى جعلت فائض الإنتاج من عروق الحديد الذى كان يذهب إلى الولايات المتحدة يتحوّل إلى دول أخرى، كذلك وجب الالتفات إلى كون تكلفة الطاقة وسعر الصرف (غير الحر) فى دول الإنتاج الكبير من الحديد مثل أوكرانيا والصين خلق أرباحا استثنائية لمنتجى ومصدرى تلك البلدان على حساب دول مثل مصر.
وعلى صعيد الخام كانت هناك تحديات أخرى أبرزها ما تعرضت له شركة valley البرازيلية ومشاكل السدود التى أثرت على إمدادات مكورات الحديد لفترة كان من المتوقع أن تنتهى فى عام 2019 لولا وقوع حادث آخر تسبب فى تمديد الأزمة.
•••
ويكتنف عمليات تعدين الحديد (التنجيم) عدد من المخاطر أبرزها:
1. مخاطر معدنية risks metallurgical: مرتبطة بتركيز الخام وعناصر السيلكا والألومينا التى ترتفع فى المكورات بعد عملية التركيز بصورة تقلل من قيمتها السوقية.
2. مخاطر سوقية: مرتبطة بالأسعار العالمية للحديد والتى تجعل أحيانا استثمارات التعدين الضخمة غير مجدية اقتصاديا.
هناك عمليات وسيطة بين عملية التنجيم وتصنيع الحديد وهى عمليات تركيز الخام وتصنيع مكورات الحديد. تتلافى تلك العمليات مخاطر التعدين المختلفة وتنخفض استثماراتها نسبيا. ويفضل إقامتها بجوار المناجم لتخفيض تكلفة وأعباء نقل والتخلص من بقايا عملية التركيز والتكوير.
وفيما يلى استعراض سريع لأبرز منتجات خام الحديد المركّزة من واقع البحث وآراء الخبراء وأطراف السوق المستخدمة للمكورات:
• هناك ما يعرف بالخام المحسّن أو Fine ore للاستخدام فى الأفران العالية (نفس الأفران التى تتفرّد بها شركة الحديد والصلب فى مصر وأكثر من 72% من إنتاج الحديد والصلب فى العالم يتم عبر تكنولوجيا الأفران العالية) ويكون هذا الخام المحسّن بتركيز يتراوح بين 58% و62% وتتجه الأسواق العالمية إلى تخفيض الاستهلاك من التركيز الأول تحديدا لاعتبارات بيئية، ولكون هذين التركيزين لا يتخلصان من عملية التلبيد الملوّثة للبيئة... ويمكن أن تصل تركيزات السيلكا والألومينا 4% دون مشكلات للأفران...
• هناك أيضا مكورات الحديد ore pellets وتلك يتراوح تركيزها بين 65% و67% وتسمح بالاستغناء عن عملية التلبيد فى الأفران العالية، وتستخدم فى أفران القوس الكهربائى كذلك، كما أن لها مؤشرات أسعار عالمية فى بورصة المعادن (وساعدت البرازيل على الارتفاع بالتركيز المعيارى لهذا المنتج من 62% إلى 65% مؤخرا).
خامات الحديد فى الواحات البحرية وتحديدا فى منجم الجديدة يصل متوسط تركيز الخام بها إلى 52% وبهذا المنجم فقط احتياطى يصل إلى نحو 55 مليون طن (وفقا لبيانات الشركة).
•••
الخبرات السابقة فى مجال التركيز والتكوير تشير إلى أن كثيرا من نتائج المعامل تصطدم مع الواقع عند التنفيذ (كما حدث مع السوفييت سابقا عند اختبار التركيز فى مصر فى الستينيات). ولأن تشغيل منشأة التركيز قد يستغرق 4 سنوات لبدء الإنتاج فقط، فإن عمليات الإنتاج ربما تكشف عن أسرار فى طبيعة الخام تجعله غير قابل للتداول فى الأسواق.. مثال ذلك عدد من المناجم الكبيرة فى أمريكا الجنوبية، والتى أثبتت الدراسات والاختبارات المعملية صلاحيتها، لكن تشغيلها ليس اقتصاديا على الرغم من مرور نحو عشر سنوات... والشركة البحرينية التى أنشئت باستثمارات خليجية مشتركة اعتمادا على خام مناجم بعينها، لكنها مازالت تعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية نتيجة لتعطّل العمل بمناجم البرازيل الناتج عن انهيار السدود المشار إليه سابقا.
الأمر إذن يستلزم دراسات تعدينية دقيقة، ودراسات سوقية لنسبة تركيز الحديد المطلوبة فى الأسواق خلال العقد القادم على الأقل، وكذلك النسبة المسموح بها من المعادن الأخرى التى تعتبر عدوّا لعمليات إنتاج الحديد وفى مقدمتها السليكا والألومينا وكلاهما مسئول عن انخفاض العائد من عملية الإنتاج وزيادة تكاليف الطاقة بشكل غير محتمل.
وبعد أن توقفت المساعى الجادة الأولى لتركيز الخام التى انطلقت فى الربع الأول من عام 2018 لأسباب لا داعى لذكرها، معظمها متعلّق بتضارب المعلومات، انطلقت من جديد تلك المساعى مستعينة بلجنة استشارية تطوّعية على مستوى رفيع من الخبراء، وترأست اجتماعاتها بنفسى. والشركة لديها أربعة مناجم للحديد فى الواحات البحرية تصلح لاستخراج خام الحديد بتركيزات مختلفة، وهى مناجم: الجديدة، غرابى، ناصر والحارة برصيد بلغ وفقا لبيانات الشركة فى 1/1/2019 ما يقرب من 202 مليون طن من الخامات وبتركيزات لخام الحديد تراوحت بين 44.07% و52.19% علما بأن المنجم الوحيد المستغل من قبل الشركة كان منجم الجديدة. ولارتفاع نسبة الملوحة بالمعدن نظرا لموقع المناجم التى كانت مطمورة بمياه البحر فى عصور سحيقة، فإن تكنولوجيا التركيز المقبولة هى التى تقوم على الفصل المغناطيسى عوضا عن الاستخدام الكثيف للمياه والذى لا يتناسب مع الوضع المائى لمصر. تلك التكنولوجيا التى تم معاينتها فى بعثة إلى أوكرانيا برئاسة وزير قطاع الأعمال السابق الأستاذ خالد بدوى.
وفى منتصف العام الماضى تم إرسال عينات ممثلة من الخامات من المناجم الأربعة إلى بعض المعامل الكبرى فى أوروبا وكندا لتحليلها ودراسة إمكانية إنتاج مكورات حديد تصلح للأفران العالية بعد زيادة تركيز الخامات. ومن الممكن حال ثبوت الجدوى من الإنتاج بيع المكورات بالأسعار العالمية والتى زاد سعر الطن فيها عن 90 دولارا بنسبة تركيز حديد 62% (عند إعداد الدراسة وارتفعت كثيرا بعدها) فى حين أن تكلفة الطن من الخام المورّد لشركة الحديد والصلب حوالى 54 جنيها. وفى 25 يونيو 2020 (قبل مغادرتى موقعى بأقل من أسبوع) حرصت على التوقيع بالأحرف الأولى (كى لا أصادر على حق من يأتى من بعدى فى التعديل والعدول) وبحضور السفير الأوكرانى فى مصر على اتفاقية شراكة مع شركة فاش ماش الأوكرانية بتكلفة 100 مليون دولار تقضى بإنشاء مصنعين للتركيز والمكورات على ثلاث مراحل. وتقضى المرحلة الأولى ببناء وحدة نصف صناعية بجوار منجم غرابى بالواحات فى موقع متوسط بين المناجم المملوكة للشركة وتمتد تسعة أشهر من توقيع الاتفاقية بتكلفة تصل إلى 675 ألف دولار، وتشمل تلك المرحلة إعداد دراسات جيولوجية كاملة للمناجم وتقدير ما تحويه من مواد خام. وتنتهى تلك المرحلة بإعداد دراسة جدوى شاملة وتفصيلية لاتخاذ قرار بالتوقف أو المضى قدما إلى المرحلة الثانية، وبناء مصنع لتركيز الخام بالواحات بتكلفة 35 مليون دولار. وكان من المقرر ــ وفقا للاتفاقية ــ أن تشارك الشركة الأوكرانية بنسبة 30% من رأس المال فى المرحلتين الأولى والثانية (لضمان الجدية)، وذلك من خلال تأسيس شركة ذات غرض خاص تقتسم العائد وفقا لاتفاق تفصيلى جديد يحدد آنذاك. أما المرحلة الثالثة فتختص بإنشاء مصنع لمكورات الحديد بالشراكة مع القطاع الخاص، بتكلفة نحو 65 مليون دولار، وبإنتاجية تصل إلى مليون طن مكورات سنويا (راجع إفصاحات شركة الحديد والصلب).
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات