لنكن صادقين مع أنفسنا، مهما كان ذلك مؤلما ومفجعا، ولنعترف بأن مجلس التعاون الخليجى يعيش حاليا أوضاع المرض والتفكك والضياع. الأسباب واضحة: صعود مذهل للأنانية السياسية المؤقتة المصلحية المفرطة، تجنيد بعض المكونات المحلية وبعض الأفراد للدخول فى مماحكات كلامية تشمئز منها النفوس ومثيرة للأحقاد والانقسامات وذلك من أجل ترجيح كفة هذه الجهة أو تلك، عدم دعوة مؤسسات مجلس التعاون الوزارية أو التخصصية أو حتى القممية، إن كان الخلاف كبيرا وخطيرا، من أجل مناقشة الإشكالات ومحاولة إطفاء حرائقها وإبعادها عن أن تصبح أسلحة ومؤامرات فى يد من لا يريدون الخير لدول المجلس من الأغراب وقوى الاستعمار، وأخيرا الإصرار عبر عمر المجلس على عدم وجود جهة قانونية قضائية مشتركة ضمن مؤسسات المجلس من أجل إصدار الأحكام العادلة الأخوية فيما بين أنظمة الحكم فى الدول المتخاصمة.
والنتيجة هى ما نرى أمامنا من تهميش لسلطات المجلس المشتركة، وتلاسن مبتذل عبر وسائل الإعلام الرسمية وشبكات التواصل الاجتماعية، حيث ينشط الانتهازيون وفاقدو الأحاسيس الوطنية والقومية وبائعو الضمائر لكل من يدفع أكثر، وتباعد فيما بين العائلات والأصدقاء وأصحاب المصالح المشتركة من مواطنى دول المجلس.
والفاجعة الكبرى المترتبة عن كل ذلك هى فى الموت البطىء لحلم كبير بناه الآباء والأجداد منذ أكثر من أربعين سنة، حلم الوحدة الخليجية العربية لتكون مثالا أوليا يحتذى من أجل بناء الوحدة الأكبر: وحدة أمة العرب ووطن العرب الكبير. ثم جاء من بعدهم خلف أضاعوا البوصلة وقلبوا ذلك الحلم إلى كابوس.
فإذا أضيف إلى المصائب الجديدة تلك إخفاقات الماضى الكثيرة، من مثل فشل تحقيق وحدة اقتصادية متكاملة تصب فى مصلحة الجميع، أو الانتقال إلى عملة خليجية واحدة، أو بناء قوة عسكرية موحدة كما اقترحت منذ عدة سنوات عمان، أو المباشرة فى بحث إمكانية قيام نوع أولى من وحدة خليجية سياسية كما اقترحت منذ مدة المملكة العربية السعودية، أو إقحام البعض للموضوع العربى الفلسطينى دون مناقشته فى مؤسسات مجلس التعاون أو مجلس الجامعة العربية، وبالتالى إضافة موضوع مختلف من حوله وبالغ الحساسية عند شعوب الأمة وشعوب الخليج... إذا أضيف كل ذلك أدركنا حجم الاستهتار بوجود ومصير هذا المجلس وفداحة عدم المبالاة بثوابت شعوب أقطار مجلس التعاون القومية العروبية والوطنية والإسلامية.
من حقنا هنا أن نسأل بصدق ومحبة وحسرة: هل أن بعض قيادات دول المجلس تدرك أنها تتصرف وكأن المجتمعات وساكنيها هى من أملاكها الخاصة التى تستطيع أن تفعل بمصائرها وأحلامها وحقوقها ما تشاء، بلا رقابة ولا محاسبة ولا إشراكها فى اتخاذ القرار؟
لقد عبرت مجتمعات المجلس مرارا وتكرارا، بألف طريقة وطريقة، برجاء أحيانا وبغضب أحيانا آخر، عن عدم رضاها عن المسارات الخاطئة التى قيد المجلس للسير فيها من قبل البعض، لكن أكثر القيادات أصبحت لا تنصت ولا تتعاطف، بل إنها تبطش بكل من يخالفها الرأى أو ينتقدها.
وبالطبع، وكالعادة، فإن العربى لا يتعلم من التاريخ. لم نتعلم من رؤية هشاشة وسقم الاتحاد المغاربى بسبب الخلاف حول الصحراء المغربية. لقد ضحت دول ذلك الاتحاد بالأمان الاقتصادى والأمنى والسياسى المشترك الذى كانت الوحدة المغاربية ستأتى به وذلك بسبب ذلك الخلاف المؤقت الهامشى العبثى. وها نحن نرتكب الحماقات المماثلة ليصبح مجلس التعاون الخليجى مماثلا لمصير الاتحاد المغاربى المفجع المبكى.
لنلاحظ بانتباه شديد: لقد جمدت الجامعة العربية، وأصبحت منظمة التعاون الإسلامى اسما بدون فعل، ووصل الاتحاد المغاربى إلى مرحلة الوهن، وها أن مجلس التعاون الخليجى ينتقل من محنة إلى أخرى. ألا يشير ذلك إلى مخطط شيطانى كبير؟
والسؤال متى ستصحو الضمائر وتستيقظ العقول فى بلاد العرب؟
مفكر عربى من البحرين