جوردون مور وقانونه السحرى - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جوردون مور وقانونه السحرى

نشر فى : السبت 14 أغسطس 2021 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 14 أغسطس 2021 - 8:45 م

جوردون مور أسس شركة إنتل هو وروبرت نويس فى نهاية الستينيات من القرن الماضى، جوردون مور كان يحمل درجة الدكتوراه فى الكيمياء وكان هادئ الطباع جدا ويفضل الابتعاد عن الأضواء بعكس روبرت نويس الذى كان الواجهة الكبرى لشركة إنتل فى بداياتها قبل أن يموت فجأة ويتولى آندى جروف الإدارة التنفيذية فى الشركة ويظل مور بعيدا عن الأضواء باختياره. لكن إذا كان مور قد اختار أن يكون بعيدا عن الأضواء بشخصه فإنه أصبح فى بؤرة الضوء بين الباحثين والمصممين والمصنعين لأجهزة الكمبيوتر نتيجة لقانونه الذى نشره سنة 1965 والمعروف بقانون مور (Moore’s law)، فما هى القصة؟
أغلب مكونات الكمبيوتر هى من رقائق السيليكون ونسميها ميكروتشيبس، هذه الميكروتشيبس مكونة من أعداد كبيرة من الترانزيستور أى إن المكون الأساسى لأى جهاز كمبيوتر سواء الموجود فى تليفونك أو ساعتك أو اللابتوب أو التابلت أو أجهزة الكمبيوتر العملاقة فائقة السرعة هى الترانسيستور، سنة 1965 نشر جوردون مور بحثا قصيرا تنبأ فيه أن عدد الترانزيستورات (فى البحث ذكر كلمة «مكونات» بدلا من ترانزيستور) داخل الميكروتشيب ستتضاعف كل 18 شهرا تقريبا أى إن حجم الترانزيستور سينكمش وبالتالى سيكون أسرع وبالتالى نتوقع سرعة أكبر لأجهزة الكمبيوتر. ما هو العجيب فى هذا القانون؟
أول شىء أن هذا القانون ليس بقانون، بمعنى أنه ليس كقانون الجاذبية الذى يعمل بدون تدخل من البشر، كى نتمكن من وضع ضعف عدد الترانزيستورات داخل الميكروتشيب يجب تطوير المصانع وهو يستلزم أبحاثا فى التصنيع والاقتصاد والفيزياء والهندسة الكهربائية إلخ. إذا فقانون مور هو بمثابة خارطة طريق للتكنولوجيا المتعلقة بتصنيع الحاسبات.
ثانيا هذا القانون أثبت صحته على مدار أكثر من خمسين سنة، سنة 2015 كانت العيد الخمسين له، الشركات المصنعة للحاسبات نجحت فى السير على هذا القانون وتحقيق تلك النبوءة التكنولوجية. الشركات التى لم تستطع مجاراة هذا القانون خسرت جزءا كبيرة من حصتها فى السوق، المثير فى الأمر أن الشركات التى حاولت السير بوتيرة أسرع من هذا القانون خسرت الكثير من الأموال أيضا لأنها اضطرت لبناء مصانع أكثر تقدما بمراحل مما تكلف الكثير من الأموال ولم تستطع إبقاء منتجاتها فى السوق لمدة تسمح بالحصول على أرباح لأن المنتجات المتعلقة بالكمبيوتر تفقد الكثير من قيمتها سريعا.
الحال الآن أصبح مختلفا لأن السير على خطى قانون مور أصبح مكلفا جدا لأسباب تكنولوجية عديدة ليس الآن المجال لسردها ولا يمكن تصغير حجم الترانزيستور إلى ما لا نهاية فنحن الآن فى مفترق طرق حيث سنحتاج فى السنين القليلة القادمة لخارطة جديدة لتصنيع الميكروتشيبس.
من المهم أن نعرف أن الحصول على أجهزة كمبيوتر بسرعات أعلى واستهلاك طاقة أقل إلخ لا يعتمد فقط على قانون مور بل يعتمد أيضا على تصميم أجهزة الكمبيوتر ولغات البرمجة والخوارزميات الخ لكننا فى هذا المقال نركز على نقطة واحدة وسنتحدث عن النقاط الأخرى فى مقالات قادمة إذا كان فى العمر بقية.
ماذا نستفيد من هذه القصة؟ أول شىء أنه من المهم النظر فى حال التكنولوجيا الآن وفى الماضى ومحاولة التنبؤ بالمستقبل، هذا التنبؤ سيكون بمثابة خارطة الطريق الذى يحدد أهداف شركاتك ومصانعك وكيف تقسم ميزانية تصنيعك وأبحاثك إلخ، ثانيا يجب أن تتعرف على النبوءة التى يمكن اعتبارها خارطة للطريق وتفرقها عن النبوءات التى لا تعتمد على معلومات دقيقة أو تكون كلاما مرسلا، بعد مدة من نشر قانون مور أصبح هو خارطة طريق لشركات عديدة لأنهم تعرفوا على أهميته حتى وإن جرت عليه بعض التعديلات.
هذه دعوة لإنشاء مركز لعلم المستقبليات لأنه علم مفيد للغاية فى مجالات عدة وله طرقه وأدواته، إذا لم تخنى الذاكرة كان هناك بدايات لشىء كهذا فى مكتبة الإسكندرية لأنى قد قرأت بحثا عن علم المستقبليات صدر من مكتبة الإسكندرية سنة 2012 لكنى لا أدرى إن كان تم إنشاء قسم مستقل لعلم المستقبليات أم لا. هناك معهد مستقل فى أمريكا اسمه «معهد المستقبل اليوم» (Future Today Institute) يصدر تقريرا سنويا عن مستقبل صناعات وتكنولوجيات عديدة، أعتقد أنه سيكون من المفيد جدا أن نستفيد من تلك التقارير وأن ننشئ مركزا مثله عندنا.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات