خلال شهور قليلة ربما تكون هناك انفراجة حقيقية ترضى غالبية الناس فيما يتعلق بموضوع الحبس الاحتياطى. يوم الأحد الماضى حضرت جلسة مهمة لمجلس أمناء الحوار الوطنى مخصصة لمناقشة الصياغة النهائية للتوصيات الخاصة بشأن تعديلات قضية الحبس الاحتياطى فى قانون الإجراءات الجنائية، والمفترض أن يناقشها البرلمان فى أقرب وقت ممكن حينما يعود للانعقاد فى الخريف المقبل.
الاجتماع شهد نقاشات موضوعية وعاقلة بمشاركة المنسق العام ضياء رشوان ورئيس الأمانة الفنية المستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والتواصل السياسى وعدد كبير من أعضاء مجلس الأمناء وكذلك أحمد راغب مقرر مساعد لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطنى، وتم التوافق فى النهاية على التوصيات الأساسية.
الاجتماع استمر قرابة الساعات الخمس، وقرر أنه ومن باب اللياقة ألا يعلن عن نصوص هذه التوصيات إلا بعد أن يتم إرسالها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى سينظر بشأن إمكانية إرسالها لمجلس النواب قبل المناقشة النهائية لتعديلات قانون الإجراءات الجنائية.
وبالتالى فإن ما يمكن أن أكتبه هنا بشأن هذه النقاشات أنه جرى التوافق فى اجتماع مجلس الأمناء الأخير على خمسة من المحاور الأساسية بشأن موضوع الحبس الاحتياطى.
المحور الأول هو تخفيض مدد الحبس الاحتياطى الواردة فى قانون الإجراءات الجنائية وهى ٦ أشهر فى الجنح و١٨ شهرا فى الجنايات و٢٤ شهرا فى جرائم السجن المؤبد أو الإعدام.
المعروف أن الحوار الوطنى عقد جلستين يوم الثلاثاء ٢٣ يوليو الماضى، استمرتا قرابة ١٢ ساعة وضمتا غالبية ممثلى الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الحقوقية، وغالبية هؤلاء أيدوا تخفيض مدة الحبس الاحتياطى، والذين حضروا من مؤيدى الحكومة وافقوا على خفض المدد ولكن بصورة أقل، فى حين أن ممثلى أحزاب المعارضة والمجتمع الحقوقى أيدوا الخفض إلى أقل مستوى ممكن.
التوافق الثانى كان حول بدائل الحبس الاحتياطى مادام لا يوجد أى خطر من وجود المحبوس خارج السجن وقد كانت هناك اقتراحات كثيرة لفكرة البدائل مثل الأخذ بالمراقبة الإلكترونية عبر الأسورة أو البصمة الصوتية أو الإقامة الجبرية، أو تسليم نفسه لأقسام الشرطة فى أوقات محددة. التوافق الثالث كان متعلقا بقضية تعدد الجرائم وتعاصرها.
وللموضوعية فإنه خلال المناقشات كانت هذه القضية شديدة التعقيد. والسبب أن الحبس الاحتياطى لا يتعلق فقط بالقضايا السياسية كما يعتقد كثيرون، بل بالقضايا الجنائية أيضا. فالشرطة التى تذهب مثلا إلى منزل للقبض على شخص متهم بالرشوة وتضبط مبالغ الرشوة، قد تكتشف وجود مخدرات، وبالتالى فهنا قضيتان وليس قضية واحدة، وقد يتم ارتكابه لجريمة ثالثة خلال وجوده داخل السجن مثل استئجار شخص لقتل من قام بالإبلاغ عنه.
هنا فإن القانون يقول إنه يتم حبس هذا المتهم احتياطيا ثلاث مرات. البعض اقترح خلال المناقشات ألا يحبس المتهم على نفس القضية مرتين أو قضية مشابهة أو ضم مدد الحبس الاحتياطى لجميع الجرائم، وكان ملفتا للنظر أن المنسق العام ضياء رشوان طالب المناقشين أكثر من مرة بالبحث عن توصيات قابلة للتنفيذ فى هذا الجزئية الشائكة.
التوافق الرابع كان على قضية التعويض عن الحبس الاحتياطى الخاطئ للمتهم الذى يحصل على البراءة. والتوافق هنا يتعلق بتطبيق النص الدستورى الذى يقر مبدأ التعويض، علما بأن هناك تقارير بأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجارى مناقشته فى مجلس النواب قد تطرق لهذه المسألة. إضافة بالطبع لقضية وسائل الدمج وإعادة التأهيل النفسى والمعنوى للمتهم المحكوم ببراءته. التوافق الخامس يتعلق بالتدابير المصاحبة للحبس الاحتياطى، بمعنى أن الحبس الاحتياطى إجراء احترازى، ولا ينبغى أن يتحول إلى عقوبة بفعل امتداد مدده، والاقتراح أن يكون القرار مسببا ومحددا بمدة زمنية معقولة.
ما سبق هو القضايا الخمس الرئيسية التى جرى التوافق بشأنها. والنقطة الجوهرية التى خرجت بها من المناقشات هى أن تعديل القانون ضرورى ومهم، لكنه ليس العامل الوحيد بل ضرورة الوصول إلى كيفية تحقيق التوازن الدقيق بين قضيتين مهمتين وهما حق المجتمع فى الأمن وحق المتهم فى الحرية وهو موضوع مهم أتمنى العودة إليه لاحقا.