الطريق إلى بناء الحداثة العربية الذاتية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطريق إلى بناء الحداثة العربية الذاتية

نشر فى : الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 8:55 م

منذ حوالى ثلاثة أسابيع كتبت مقالة تدعو لانتقال شابات وشباب الأمة لمنهجية عمل متناسقة وشاملة فى سبيل خروج أمتهم من الوضع المأساوى الذى تعيشه، على أن تكون المقالة مقدمة لولوج أساسيات وتفاصيل تلك المنهجية المطلوبة. لكن تعاظم الأحداث المؤلمة التى واجهها الواقع العربى خصوصًا فى غزة المستباحة الجريحة، واضطرارى للكتابة عنها اضطرنى لتأجيل متابعة مسلسل تلك المنهجية. وها نحن اليوم نعود.

لقد أكدنا فى مقال المقدمة أننا لا نستطيع بناء حداثتنا وما بعد حداثتنا العربية الذاتية إلا إذا استطعنا تحرير أنفسنا أولاً، بنقدية ذاتية موضوعية عميقة لحداثة وما بعد حداثة الغرب، من هيمنة وتغلغل الكثير من جوانب حضارته وثقافته السلبية، خصوصا بعد أن بدأ هو أيضا مؤخرا بإجراء تلك المراجعة وتصحيح ما يمكن تصحيحه من أخطاء فكرية وتطبيقية لأهم مكونات حداثته وحضارته.

ولأن هذا الموضوع بالغ التشعب والتعقيد ننصح المتحّمسين والراغبين فى ممارسة دور المثقف العضوى النضالى الملتزم بأن يقرأوا بعضًا مما كتبه مفكّرون متميزون فى طريقة تعاملهم مع هذا الموضوع برمّته. وبالطبع هناك شخصيات متميزة حديثة كثيرة، ومع ذلك سنسمح لأنفسنا إلى ذكر أسماء بعضٍ منها من أمثال محمد عابد الجابرى وإدوارد سعيد وهشام جعيط وجورج قرم وسمير أمين وأنور عبدالملك وحسن حنفى وعبدالله العروى. وتحوى مجلة «المستقبل العربى» التى يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية مئات المقالات لمئات الكتاب الذين عالجوا جوانب نقدية تحليلية تمسّ هذا الموضوع.

من أجل أن تكون العملية الازدواجية تلك، نقد الحداثة الغربية وبناء الحداثة العربية، سلسة نحتاج أن نعى الملاحظات التالية:

1. عدم الدخول فى مماحكات بناء علم الاستغراب العربى فى وجه علم الاستشراق الغربى. فالغرب يقوم الآن بنقد ذاتى واسع لحداثته. فهو يعى أهمية رجوعه إلى حداثة الأنوار الأوروبية الإنسانية العقلانية الحقوقية الجادة ويترك وراءه الحداثة الغربية الحالية التى ساهمت أمريكا فى بنائها وقادتها إلى التسطيح والتشوهات وتجاهل القيم الأخلاقية. فإن تصدر الآن عشرات الكتب فى الغرب تحت مسميات عصر الظلام وعالم الفوضى ونهاية التاريخ واللعب على حافة الهاوية ونهاية الإمبراطوريات، وغيرها كثير، دليل على أن الغرب بدأ يعى ما فعلته حداثته الغربية الحالية بنفسه وبالعالم كله. وأن يتساءل المفكر الفرنسى أندريه مالرو: «من يصل إلى آذان الملائكة، صراخ الأقوياء، أم أنين الضعفاء؟»، أو أن يقول المؤرخ ويورانت عن التاريخ بأن قهقهاته هى صورة لقهقهات الشيطان، يصنع الإمبراطوريات ثم لا يلبث أن يقذف بها، أو أن يصف أحدهم المنافسات فى الغرب ومع الآخرين بأنها ما عادت سباقات خيول وإنما أصبحت سباقات قطارات... إلخ من ألوف عبارات النقد واليأس والخوف من المستقبل، فإنه يغنينا عن أن ننشغل ببناء علم الاستغراب لنقد حضارة الغرب، على حساب بناء وتجديد حداثتنا الذاتية.

2. أن ندرك بأن محاولات التجديد الحضارية العربية والإسلامية ليست بجديدة، فقد بدأت منذ القرن الثامن عشر، وكان لها أبطالها من أمثال محمد عبده والكواكبى والأفغانى وعشرات غيرهم. لكنها ظلت محصورة فى دوائر النخب بعيدًا عن دوائر الجماهير والمجتمعات الشعبية. ولذلك فإننا حاليًا ومستقبلاً مطالبون بأن لا نرتكب نفس الخطأ.

فالزّخم الحالى من المحاولات العربية لتجديد ثقافتنا وبناء حداثتنا يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع بناء تيار جماهيرى متعاطف مع التجديد ومتابع لالتزاماته ومدافع عن منجزاته. هنا تأتى الأهمية القصوى لانخراط الشباب والشابات فى هذه العملية، تنظيمًا ونضالاً ومجتمعًا مدنيًا نشطًا.

3. ستحاول بعض دوائر الخارج المعادية لنهضة هذه الأمة وبعض دوائر الانتهازية الداخلية أن يقولوا لكم بأن جهودكم يجب أن لا تشمل بناء الأيديولوجيات الشاملة العقلانية الموضوعية ولا وضع الاستراتيجيات التى ترسم تفاصيل الطريق ولا انخراطكم فى السياسة من أجل دعم جهود التجديد. لكن كل تلك الأقوال يراد بها إدخالكم فى حياة الفردانية التائهة غير المنغمسة فى حياة مجتمعاتها وشعوبها وغير العاملة من خلال مؤسسات مجتمع مدنى نشط ومتعاون مع بعضه. مثل هذه النصائح التى لا يراد من ورائها إلا الباطل يجب أن لا تضيعوا وقتكم فى الاستماع إليها. وسنناقش هذه النقطة مستقبلاً، فقد استعملت عبر الخمسين سنة الماضية لإبعاد الشباب والشابات عن العمل العام الملتزم الجاد فى ساحات النهوض والتقدم العربى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات