أبعاد الانتخابات التشريعية السورية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 15 أكتوبر 2025 2:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

أبعاد الانتخابات التشريعية السورية

نشر فى : الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 - 7:05 م

أجريت أول انتخابات تشريعية سورية فى عهد النظام الجديد الذى أسقط نظام بشار الأسد فى 8 ديسمبر 2024 يومى 5 و6 أكتوبر 2025، وسط ترحيب باعتبارها بداية لمرحلة جديدة، وانتقادات وصفتها بأنها غير مكتملة، وتحفظات ترى أنه، وإن كانت الانتخابات مجرد خطوة أولى، إلا أنه كان من الأفضل التريث بعض الوقت وإجراء انتخابات مباشرة ومكتملة. ولكل من المواقف الثلاثة أسبابها ودوافعها، الأمر الذى يتطلب عرضًا موجزًا لأساس وكيفية إجراء هذه الانتخابات، وما أسفرت عنه من نتائج.

فقد أعلن الرئيس السورى المؤقت أحمد الشرع فى يناير 2025 حل مجلس الشعب الذى تم انتخابه فى يونيو 2024 فى عهد الأسد، وبعد اعتماد الإعلان الدستورى المؤقت للنظام الجديد، تم إنشاء مجلس تشريعى مؤقت يسمى مجلس الشعب وعين الرئيس الشرع أعضائه فى 2 يونيو 2025، وصدر مرسوم رئاسى بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات مكونة من 11 عضوا ومن اختصاصاتها تشكيل اللجان الفرعية الانتخابية فى المحافظات والتى تتولى اختيار الأعضاء الذين يشكلون مجلس الشعب، وقد حدد الإعلان الدستورى المؤقت مدة مجلس الشعب بثلاثين شهرًا من تاريخ تشكيله قابلة للتجديد. أوضح المسئولون السوريون، بما فيهم الرئيس الشرع، أن الأسباب التى أدت إلى اختيار نظام الانتخابات غير المباشرة وقيام اللجان الفرعية باختيار أعضاء مجلس الشعب من بين المرشحين هو عدم توفر مقومات البنية الأساسية من الاعتبارات الأمنية، ونزوح كثير من السكان وفقدانهم مستنداتهم الشخصية، وعدم تحديث جداول أسماء الناخبين بسبب النزوح والهجرة المؤقتة إلى الخارج، إلى جانب خلافات سياسية مع بعض الطوائف السورية. وأكدوا أنه عندما تتهيأ الظروف المناسبة يمكن إجراء انتخابات شاملة ومباشرة.

قد تقرر زيادة أعضاء مجلس الشعب من 150 عضوًا إلى 210 أعضاء، تختار اللجان الناخبة 140 عضوًا، ويعين الرئيس الشرع 70 عضوًا. وبلغ عدد المرشحين 1578 مرشحًا من بينهم 14% نساء. وشكلت اللجان الناخبة من عدة عناصر، الأولى من الأعيان وهم وجهاء المجتمع المحلى فى المدن والقرى ويشترط أن يكونوا من الحاصلين على الشهادة الثانوية على الأقل ويشكلون 30% من أعضاء اللجان. أما الفئة الثانية فهى من الكفاءات التى تضم الأكاديميين والخبراء وممثلى النقابات المهنية ويشكلون 70% من أعضاء اللجان الناخبة، على أن يكونوا من الحاصلين على شهادات جامعية أو ما يعادلها. ويشترط أن يكونوا سوريين قبل مايو 2011، وأن لا يكون لهم أى علاقة بالنظام السابق والجماعات الإرهابية أو الانفصالية، وأن يتمتعوا بالأهلية القانونية وحسن السيرة، وأن لا يكونوا قد أدينوا بجناية أو جريمة مخلة بالشرف، أو محكوم عليهم فى قضايا فساد أو انتهاك للنزاهة العامة، وغير منتسبين للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وأن يحملوا المؤهلات العلمية المناسبة، والإقامة الدائمة فى الدائرة الانتخابية التى يترشحون فيها، مع مراعاة التمثيل الجغرافى والطائفى والمهنى، وضمان مشاركة الشباب والنساء فى الهيئات الناخبة. وقسمت سوريا إلى 50 دائرة انتخابية على مستوى 11 محافظة من إجمالى 14 محافظة بعد استبعاد ثلاث محافظات هى السويداء والحسكة والرقة.

• • •

قد استبعدت السويداء ذات الأغلبية الدرزية لاعتراضهم منذ البداية على الإعلان الدستورى المؤقت، حيث رأوا أنه لم يعطهم حقوقهم وأنهم لن يقبلوا الآن بدستور دائم يراعى هذه الحقوق وكل أطياف الشعب السورى. كما أن فصائل الحرس الوطنى التابعة للزعيم الدرزى حكمت الهجرى، رفضت الاستجابة لطلب النظام الجديد تسليم كل الفصائل أسلحتهم وتمسكوا بأنهم لن يسلموا أسلحتهم إلا بعد إصدار دستور جديد دائم يحقق مطالبهم، وما تزال هذه الفصائل تتحكم فى السويداء فى ظل علاقات معقدة للغاية مع النظام الجديد.

أما استبعاد الحسكة والرقة، فيرجع إلى استمرار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأغلبيتها من الأكراد، على المحافظتين، وعدم تطبيق اتفاق مارس 2025 بين الأكراد والنظام السورى الجديد إزاء تمسك الأكراد بأن يكون لهم نوع من الإدارة الذاتية وأن يكون اندماج قوات قسد فى الجيش السورى على أساس أن هذه القوات ستكون من داخل الجيش السورى هى المسئولة عن المناطق الموجودة فيها الآن، ولم يتقبل النظام الجديد هذا المطلب، حيث يرى فيه عدم اندماج حقيقى وتقسيم مسئوليات الجيش على أساس طائفى وعرقى قد تطالب به طوائف أخرى خاصة الدروز وما لهم من علاقات مع إسرائيل.

أوضحت اللجنة العليا للانتخابات أن اللجان الناخبة متنوعة فى تشكيلها، ففيها العربى، والتركمانى، والكردى، والمسلم، والمسيحى، والأكاديمى، ووجهاء العشائر. ولكن الأكراد والدروز يعتبرونها انتخابات غير شرعية ولا تعبر عن مجمل الشعب السورى، لأنها خاضعة منذ بداية تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وتشكيل اللجان الناخبة إلى اختيار مجلس الشعب، للسلطة التنفيذية، وبصورة أوضح للرئيس المؤقت الشرع، وأنه إذا كان هناك اختيار لأعضاء من طوائف وفئات المجتمع، فإنهم لا يمثلون من ينتمون إليهم لأنهم لم يتم اختيارهم من قبل قيادات وهيئات هذه الطوائف. ويرى بعض السياسيين السوريين المستقلين أنه يخشى أن يؤدى عدم مشاركة الأكراد والدروز فى الانتخابات إلى مزيد من التباعد بينهم والسلطة ويكرس الانقسام وأن الطريق الأمثل هو الوصول إلى إطار سياسى جامع يضمن مشاركة جميع الأطراف السورية فى صياغة المستقبل على أسس توافقية بعيدة عن القرارات المنفردة والعجلة فى فرض الأمر الواقع.

قال أحد نشطاء حقوق الإنسان السوريين أن غياب العمل السياسى ونشاط الأحزاب، ومنح الرئيس السابق بشار الأسد الجنسية لأعداد كبيرة من المسلحين الإيرانيين، إلى جانب العوامل الأخرى، يجعل نظام الانتخاب غير المباشر منطقيًا حتى يتم إنشاء البنية التحتية للانتخابات المباشرة، وهو ما قد يستغرق نحو أربع سنوات لإتمامها. وقال الرئيس الشرع أن السوريين انتقلوا من مرحلة الحرب والفوضى إلى مرحلة الانتخابات، وأن العملية الانتخابية تناسب المرحلة الانتقالية، وأن بناء سوريا مهمة جماعية ويجب على جميع السوريين أن يساهموا فيها، وأن عجلة إصدار القوانين ستدور بشكل سريع مع استمرار المراقبة على الحكومة لضمان الشفافية والمساءلة، وأن هذه خطوة مؤقتة إلى أن تتوفر البيئة الأمنية والانتخابية الأساسية لإجراء انتخابات مباشرة يشارك فيها كل السوريين.

وقد حدد الإعلان الدستورى المؤقت اختصاصات مجلس الشعب وتشمل اقتراح القوانين وإقرارها، وتعديل أو إلغاء التشريعات السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة. وهى اختصاصات واسعة تتيح للمجلس إعادة صياغة القوانين والتشريعات فى جميع المجالات خلال دورته على مدى عام ونصف العام، وإذا لم تكف فمن صلاحية السلطة التنفيذية مدها لدورة تشريعية أخرى. وأدى ذلك إلى أن تصف المعارضة وعدة طوائف المجلس بأنه خاضع للسلطة التنفيذية ويمثل لونا سياسيا واحدا وعدم إشراك جميع الطوائف السورية فى صياغة المرحلة الانتقالية وتحقيق التعددية السياسية والاجتماعية والطائفية التى تتفق مع مكونات الشعب السورى.

• • •

أسفرت النتائج عن انتخاب 119 عضوًا، وتبقى 21 مقعدًا شاغرًا من محافظات السويداء، والحسكة، والرقة، على أن تجرى الانتخابات فيها عندما تتهيأ الظروف الأمنية والسياسية المناسبة. وجاء تمثيل المرأة ضعيفًا للغاية، حيث لم يتجاوز 4% من إجمالى الذين تم انتخابهم، وحصل المسيحيون على مقعدين فقط من أصل 26 مقعدًا، وهذا تمثيل ضعيف بالنظر إلى نسبة المسيحيين لسكان سوريا. ولم يفز المرشح اليهودى الوحيد وهو هنرى بن حمرة، أمريكى من أصل سورى ابن آخر حاخام يهودى الذى غادر سوريا فى تسعينيات القرن العشرين. كما أن تمثيل بعض مكونات الشعب السورى لا يتناسب مع عددها. وقد يعمل الرئيس الشرع على تحقيق التوازن من خلال السبعين عضوا الذين سيعينهم، خاصة وأنه يفترض أن يكون تمثيل المرأة 20% من إجمالى أعضاء مجلس الشعب.

الملاحظ أن النظام الجديد استطاع استكمال منظومة متكاملة تتيح له صياغة الحياة السياسية والقانونية والتشريعية وفقًا لرؤيته وبما يحدد ليس فقط المرحلة الانتقالية وإنما ما بعدها، وذلك بتشكيل سلطة تنفيذية وإصدار إعلان دستورى مؤقت، وانتخاب برلمان جديد وفقا لرؤيته، وممن يثق فيهم بغض النظر عن آراء ومواقف طوائف المجتمع السورى الأخرى، وعدم رضاها عن استبعادها، الأمر الذى قد لا يساعد على إنهاء الخلافات والتوترات، واستمرار الصراع المباشر أو غير المباشر.

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات