فى دكان الحلاق - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى دكان الحلاق

نشر فى : الأربعاء 15 فبراير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 فبراير 2012 - 9:00 ص

لم أسمع من قبل أو أقرأ عن ثورة اهتم الناس فيها بشعرهم كما يهتمون به هذه الأيام فى أكثر من بلد عربى من البلاد التى زرتها مؤخرا باحثا عن قواسم مشتركة لثورات الربيع العربى. وجدت فى معظم البلاد فريقا من الناس لا هم له يعلو فوق هم السعى لإجبار النساء على تغطية رءوسهن وإخفاء شعرهن. فريق آخر حريص على تعريته واستخدامه فى سحلهن إن احتاج الأمر للسحل. آخرون ظهروا فجأة، وبأعداد غفيرة، متعمدين التفنن فى إطالة الذقون والشوارب معا أو الذقون وحدها، هؤلاء انقسموا قسمين: قسم يبذل جهدا فى تهذيبها وقسم يرفض تهذيبها ويندد بمن يفعل ولكل أسانيده. هذا القسم أو ذاك لا يخلو من عديدين يصبغونها باللون الأحمر. عدت متأكدا أن العالم العربى تغير وبسرعة مذهلة.

 

●●●

 

شعر كثير فى كل مكان. واقع يؤكده الحلاق الذى أتردد عليه منذ عقود وتربطه بحلاق سيدات علاقة عمل وقرابة. قال إنه رغم كل عمليات التعرية والتغطية يزداد الناس، رجالا ونساء، إقبالا على التزود بشعر أكثر كثافة وطولا.. ارتفاعا أو تدليا على الصدر والأكتاف. تطرقنا، حلاقى وأنا، إلى حديث الشعر حين وجدته يبشرنى بأن شعيرات جديدة نبتت فى رأسى. كان سعيدا. واستطعت فهم سبب سعادته، فالأمر بالنسبة له يتعلق بمصلحة شخصية. وأظن أنه تمنى فى تلك اللحظة أن لا يكون النبت الجديد مجرد حالة فردية أو طارئة بل ظاهرة عامة و«مستدامة». هذا الحلاق تحديدا، لا شك يعرف عن شعر رأسى ما لا يعرفه إنسان آخر، بمن فيهم صاحب الرأس ذاته. فاتته، ربما، مرحلة شباب هذا الشعر، ولكنه بالتأكيد عايش مراحل انفراطه ثم سقوطه. كثيرا ما كان يذكرنى بزمن حين كنت أزوره مرة كل أسبوع، ثم مرة كل أسبوعين قبل أن تصبح مرة فى الشهر، وحسب الظروف. كان دائما رجلا خفيف الظل فى سخريته من الأوضاع الاجتماعية وفى انتقاده لتصرفات السياسيين والعسكريين وفى تعامله مع شعر يتعمد أن يتناقص باستمرار. وقف ذات مرة وقفة طويلة فوق رأسى يتأمل الشعيرات المعدودة الباقية، سألته فيم يفكر، قال أضع خطة لإعادة نشر هذه الشعيرات، قال عنها أحد زبائنه من خبراء الاستراتيجيا إنها تقابل فى العسكرية تعبير Redeployment، وإن هذا التعبير كان وراء نكستنا فى حرب سيناء عام 1976.

 

●●●

 

أذكر أننى استعنت به مرات عديدة لفهم ما يجرى «فوق» رءوس الناس، وبخاصة المشاهير منهم، ومن النساء تحديدا. القاعدة هى أن أغلب الناس حريصون على أن يكون شعرهم غزيرا. وأن الزعماء السياسيين هم الأشد حرصا على أن يكون شعرهم حالك السواد فالشعر الأسود الغزير دليل شباب، ولما كانت إحدى علامات الجمال الرأس الصغيرة بالنسبة للجسم، راح البعض يستخدم الشعر الكثيف ليقوم بدور يؤديه عادة الكعب العالى فكلاهما يزيد من طول الجسم فيزداد الانسان جمالا. ليس غريبا إذا أن الصين تأتى فى مقدمة الدول المستوردة للشعر. ولكن الغريب أن دولتين هما أمريكا وبريطانيا تأتيان فى المرتبة الثانية والثالثة على التوالى رغم أنهما من الدول التى تتزعم الدعوة إلى تحريم التجارة فى الأعضاء البشرية. يتوقف قليلا ليسأل مدعيا البراءة أو نقص المعرفة: أليس الشعر من الأعضاء البشرية.؟. ويستطرد، غافلا عن أنه سأل سؤالا هاما لم أجب عنه، فيقول إنه قرأ وهو صغير عن نساء يبعن شعرهن ليطعمن صغارهن، ولم يقرأ لأحد يعتبر هذا التصرف فى أجسامهن إثما فى الدين أو جريمة فى القانون. عرفت منه أن هناك كثيرين بين زبائنه يدافعون عن المرأة التى تبيع شعرها ويشبهونها بالمرأة التى ترضع أطفال الغير مقابل أجر.

 

●●●

 

 لا أفهم لماذا نتسامح مع رجال يستخدمون ذقونا من شعر طبيعى أو مستعار، ونتعصب ضد نساء يرغبن كالرجال فى الاحتفاظ بشبابهن وتأجيل الاعتراف بأعمارهن الحقيقية، لماذا يحق للداعية أن يتجمل ليبدو أمام النساء فى أبهى صورة ولا يحق للمرأة أن تتجمل لتبدو أمام الرجال فى أبهى صورة فطالبوها بأن تختفى بجمالها وراء نقاب.

 

●●●

 

سمعت فى تونس أن « المزينين» أصحاب دكاكين التزيين سعداء بالاهتمام المتزايد بالشعر، سواء شعر الرأس أو شعر الذقن والشارب. وسمعت أن أقرانهم فى مصر سعداء للسبب نفسه ولسبب آخر وهو الإقبال المتزايد من أهل الحى على دكان الحلاقة للفرجة على مناظر مجلس الشعب والمداولات الجارية فيه، وبعضهم يجرى مقارنات بين تسريحات شعر الأعضاء وتصفيفات الذقون وألوانها وغالبا ما يختلفون ويلجأون إلى الحلاق، باعتباره بيت خبرة.

 

●●●

 

عالمنا العربى يتغير، ومصر فى المقدمة كالعادة.

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي