كتب خالد فتاح، مستشار وخبير مستقل فى الشؤون اليمنية والعلاقات بين الدول والقبائل فى الشرق الأوسط، مقالا نشر بمجلة صدى التابعة لمعهد كارنيجى للسلام الدولى. تحدث فيه عن تراجع النفوذ السعودى فى اليمن، والتهديدات التى تواجه المملكة جراء القلاقل التى تشهدها جارتها الجنوبية. يقول الكاتب: بعد إعلان الحوثيين فى السادس من فبراير الحالى أنهم سيعمدون إلى حل البرلمان اليمنى وتشكيل هيئة حاكمة مؤقتة، تعاظمت المخاوف السعودية من اللااستقرار السياسى فى اليمن. فقد ركّزت الرياض طوال سنوات على الحؤول دون حدوث أى تحوّل كبير فى ميزان القوى فى المرتفعات الشمالية فى اليمن، ومالت إلى دعم تجمع حاشد القبلى الذى يضم قبيلة سنحان التى ينتمى إليها الرئيس السابق على عبدالله صالح، وعائلة الأحمر التى كانت نافذة فيما مضى. عندما كانت المناصب العسكرية والأمنية العليا فى عهدة تجمع حاشد الذى كان يستحوذ على حصة الأسد من الضباط الكبار والمتوسطى الرتبة، كانت شبكة الزبائنية التى تديرها الرياض تؤمّن للمملكة وصولا مطلقا لا تعترضه أية قيود إلى المؤسسة العسكرية فى صنعاء.
بيد أن سيطرة الحوثيين على صنعاء، وخسارة آل الأحمر نفوذهم، وتضرُّر العلاقات مع حزب الإصلاح – الذى يضم مجموعة واسعة من الإسلاميين السنة فى اليمن – تسبّبت بتراجع كبير فى النفوذ السعودى فى العاصمة اليمنية. وقد لا يكون أمام السعودية الآن من خيار سوى الانخراط مع الحوثيين الذين يشكّلون حاليا القوة السياسية والعسكرية الأكثر تماسكا فى اليمن. مما يشعر الرياض بالقلق لأن ذلك قد يؤثّر فى ميزان القوى السعودى الإيرانى فى المنطقة، لأنه للسيطرة الحوثية تداعيات مباشرة على الأمن القومى للمملكة.
•••
وأكثر ما يقلق السعودية هو ضبط الأمن على حدودها – لاسيما بعد الصدامات الدموية بين الحوثيين ومقاتلى القاعدة. فمنذ استيلاء جماعة الحوثى على صنعاء فى سبتمبر الماضى وقيامها بتوسيع سيطرتها الجغرافية فى ذمار والبيضاء وإب والحديدة، صعّدت اشتباكاتها مع المسلّحين التابعين لتنظيم القاعدة. وفى أكتوبر الماضى، خاض الحوثيون مواجهات عنيفة مع أنصار الشريعة، الذراع المحلية لتنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، ومع القبائل السنية المحلية التى تحالفت مع أنصار الشريعة ضد الحوثيين، فى مدينة رداع فى محافظة البيضاء على بعد 160 كلم جنوب شرق صنعاء.
سوف يُفيد تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب من احتدام المواجهات بين الحوثيين ومقاتليه كى يعيد تأطير النزاع وتصويره على أنه نزاع سنّى شيعى، ما يؤدّى إلى تعزيز النزعة التشدّدية فى صفوف السنة اليمنيين والسعوديين على السواء، الأمر الذى قد يتسبّب بإشعال شرارة العنف المذهبى فى اليمن وزعزعة الاستقرار فى المحافظات الجنوبية فى السعودية. يشار فى هذا السياق إلى أن قيادة تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب تضم العديد من السعوديين الذين فرّوا إلى اليمن بعد اتخاذ القوى الأمنية السعودية إجراءات واسعة النطاق لتفكيك فرع القاعدة فى المملكة فى إطار حملة مكثّفة لمكافحة الإرهاب بين العامَين 2003 و2007. علاوة على ذلك، صوّر عدد من البيانات المنشورة عبر المنتديات الجهادية النزاع الحوثى بأنه هجوم شيعى على السنة، وذلك بهدف زيادة قواعد الدعم للجهاديين. وفى 23 سبتمبر الماضى، بعد يومَين من سيطرة الحوثيين على صنعاء، أصدر تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب بيانا اعتبر فيه أن استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية هو محاولة "لاستكمال تنفيذ المشروع الشيعى فى اليمن"، ما من شأنه وقوع مزيد من الصدامات بين تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب والحوثيين، فضلا عن شلّ الدولة اليمنية، مما سيحوّل البلاد سريعا إلى مركز استقطاب للجهاديين الأجانب الذين يغادرون الجبهات العراقية والسورية، ويمدّون بالتالى تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب بعدد كبير من المقاتلين المتمرسين الذين يكنّون أيضا كرها شديدا للرياض والشيعة.
•••
وهكذا على ضوء التهديدات التى تحدق بالمملكة عند حدودها الشمالية مع العراق، والتى تضاف إليها الآن التهديدات عند الحدود الجنوبية مع اليمن، ترتدى العلاقات التى تقيمها السعودية فى اليمن أهمية متزايدة كإجراء وقائى يؤمّن لها الحماية. وردا على الاضطرابات فى اليمن التى بدأت مع انطلاقة الانتفاضات العربية فى العام 2011، عمدت السعودية إلى زيادة حواجز التفتيش العسكرية والدوريات عند حدودها مع اليمن، وإلى التعجيل فى أعمال بناء السياج الحدودى العالى التقنية الذى يمتد على طول 1770 كلم من البحر الأحمر غربا إلى عُمان شرقا. وفى هذا الإطار، فإن محاولة المملكة عزل نفسها عن الفوضى التى تجتاح جارتها الشمالية والجنوبية جعلت منها السوق الأكبر للأسيجة الحدودية فى العالم.
لكن فيما تركّز الرياض على تعزيز أمنها الحدودى، فتحت قطر التى تنافسها على الساحة الإقليمية، قناة اتصال مع الحوثيين. وقد صرّح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، خلال اجتماع مع نظيره القطرى خالد العطية فى واشنطن، أنه ممتنّ "لقطر والأمير والدكتور العطية على جهوزيتهم لتقديم المساعدة من خلال طرق كثيرة". وأثنى على القطريين لمساعدتهم صنّاع السياسات الأمريكيين على التعامل مع المستجدات الأخيرة فى اليمن.
جدول أعمال الرياض حافل بالانشغالات والاهتمامات فى المدى القصير ما يحول دون تمكّنها من تأدية دور أكثر نشاطا فى اليمن. تركّز المملكة على تعزيز حدودها مع اليمن، وتترك اللعبة السياسية المعقدة للأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجى. لكن فى المدى الطويل، قد لا تجد الرياض خيارا آخر سوى فتح قنوات اتصال مباشرة مع الحوثيين.