إسرائيل دولة لا حظ لها. فخلال شهر واحد هو مارس 2015 قد تشهد ثلاثة أحداث درامية: الصفقة المحتملة لباراك أوباما مع إيران، والخطاب الذى ينوى نتنياهو إلقاءه فى الكونجرس، وانتخابات الكنيست. خلال الـ40 يوما القادمة قد يرتكب رئيس الولايات المتحدة أكبر خطأ فى حياته، كما سيرتكب رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتأكيد خطأ حياته، بينما ستكون دولة إسرائيل مشلولة وقت يتسلّى فيه الزعيمان بخطوات من شأنها تعريض حياة الكثيرين للخطر.
أوباما.. يؤمن أوباما بتجريد العالم من السلاح النووى، لكنه يؤمن أيضا بضرورة الامتناع بأى ثمن عن مواجهة إضافية بين الولايات المتحدة ودولة إسلامية، وهاتان الفكرتان تتعارضان. فإذا لم تشعر القوة العظمى الشيعية بأن أمريكا مستعدة لمواجهتها ــ سياسيا واقتصاديا ــ فإنها سوف تصبح دولة نووية فى المستقبل. وإذا أصبحت إيران نووية، فإن الشرق الأوسط سيصبح نوويا، وسيكون القرن الحادى والعشرين قرن الخطر النووى. إن توجه أوباما نحو التصالح مع طهران (حتى بعد أن جعلها انهيار أسعار النفط أكثر عرضة للضرر بصورة لم يسبق لها مثيل)، من الممكن أن يجرّب رؤيته هو بالذات لنزع السلاح النووى.
لم يفت الأوان بعد، ولايزال من المحتمل أن تحول الغطرسة الإيرانية وخيبة الأمل الأمريكية دون وقوع الكارثة. لكن استنادا إلى المفاوضات الأخيرة بين الديمقراطية الأمريكية والدولة الدينية الإيرانية، فمن الواضح أن الرجل الموجود فى البيت الأبيض مصاب بمتلازمة خطيرة هى الرغبة فى التصالح. فهو لا يرى الخطر ولا يفهمه، ويبذل كل ما فى استطاعته للوقوع فى الفخ.
نتنياهو.. عندما كان رؤساء حكومة إسرائيل يتحدثون لغة اليديش ولا يشاهدون لعبة السوبر بول، كانوا يعرفون أمرا واحدا هو أن التعاطف مع إسرائيل فى الولايات المتحدة يجب أن يقوم على تأييد الحزبين. ولكن اليوم عندما يوجد فى إسرائيل رئيس حكومة يبدو مثل الأمريكيين ويتحدث مثلهم، نراه يتصرف كأنه لا يفهم أمريكا بتاتا. يكره نتنياهو الديمقراطيين ــ الليبراليين. لكن ألا يعلم أن ثلثى اليهود فى الولايات المتحدة هم ديمقراطيون ليبراليون؟ وهل يعلم أن 90% من الطلاب اليهود فى الولايات المتحدة هم ديمقراطيون ــ ليبراليون؟ وهل يعرف أن أمريكا فى القرن الحادى والعشرين متعددة الثقافات وأكثر انفتاحا وقيمها مناقضة لقيم شيلدون أدلسون؟
لماذا على الرجل الذكى الذى يسكن فى حى بلفور الإصرار على نسف المبدأ المقدس القائم على تأييد الحزبين لإسرائيل، ولماذا يصر على التحدث مثل الجمهوريين ويجعل إسرائيل تتعاطف بصورة خطرة مع جدول أعمال الحزب الجمهورى؟ إن خطاب نتنياهو فى الكونجرس هو ذروة سياسة فاشلة تساهم فى إفشال المعركة ضد تحول إيران إلى دولة نووية، كما تعرض للخطر التحالف الاستراتيجى الطويل الأمد مع الولايات المتحدة.
إنما على الرغم من المعركة الانتخابية، فإن إسرائيل العاقلة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدى حيال الصفقة السيئة لباراك أوباما والخطاب السيئ الذى ينوى نتنياهو إلقاءه. إسرائيل العاقلة لديها اليوم وجه هو يتسحاق هيرتسوج. وهذه هى اللحظة التى يتعين على هيرتسوج أن يثبت فيها زعامته ويظهر قدراته.
فى الوقت الذى لا يوجد فيه رجل، يتعين على هيرتسوج أن يكون هذا الرجل. وعليه أن يلقى فى القدس الخطاب الصحيح فى موضوع الخطر النووى الإيرانى، كما يتعين عليه أن يدعو أوباما إلى عدم القيام بخطوة لا عودة عنها ومن شأنها زعزعة النظام العالمى. ويجب عليه أن يتصرف كزعيم وطنى ويقود المعركة الدولية ضد صفقة أوباما وخامنئى الكارثية.
آرى شافيط - محلل سياسي
هآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية